هَيهاتَ قد عَلقَتكَ أشراكُ الرَّدى ... وإعتاقَ عمرَكَ قاطِعُ الأعمار .
ولقد جَريتَ كما جَريتُ لِغايَةِ ... فبلغتَها وأبوكَ في المِضمار .
وإذا نَطقتُ فأنتَ أوّلُ مَنطقي ... وإذا سَكتُّ فأنتَ في إضّماري .
أخفي من الرُّقباءِ ناراً مِثلَما ... يُخفي مِنَ النارِ الزِّنادُ الواري .
وأخفِّضُ الزفَراتِ وهيَ صَواعِدٌ ... وأكَفكِفُ العَبَراتِ وهيَ جَوارِ .
وشِهابُ زنَدِ الحُزنِ إن طاوعتَه ... وارٍ وإن عاصَيتَه مُتوارِ .
وأكفُّ نِيرانَ الأسى ولربَّما ... غُلِبَ التَّصبُّرُ فارتَمَتْ بِشَرار .
ثَوبُ الرِّياءِ يَشِفُّ عمّا تَحتَهُ ... وإذا التحفتَ بهِ فإنَّكَ عارِ .
قَصُرت جُفوني أم تَباعَدَ بينَها ... أم مُقلتي خُلِقت بِلا أشفار .
جَفَت الكَرى حتّى كأنَّ غِرارَهُ ... عِندَ إغماضِ العَينِ حَدُّ غِرار .
أحيي ليالي التِّمِّ وهيَ تُمينُني ... ويُميتُهُنَّ تَبَلُّجُ الأنوار .
حتَّى رأيتُ الفَجرَ يَرفَعُ كَفُّهُ ... بالضوءِ رَفرفَ خيمةٍ كالقار .
والصُّبحُ قد غَمرَ النجومَ كأنهُ ... سَيلٌ طَغى وطَفا على النُّوِّار .
لو كنتَ تُمنَعُ خاضَ دونَك فِتيةٌ ... مِنّا بِحارَ عَواملٍ وشِفار .
ودَحَوا فُوَيقَ الأرضِ أرضاً من دَمٍ ... ثم انثَنَوا فبنَوا سَماءَ غُبار .
قومٌ إذا لبِسوا الدروعَ حسبتَها ... سُحُباً مُزرَّرَةً على أقمار .
وترى سيوفَ الدّارعينَ كأنها ... خلُجٌ تُمدُّ بِها أكفُّ بحار .
لو أشرعوا أيمانَهم من طولِها ... طَعنوا بها عِوضَ القَنا الخَطّار .
شُوس إذا عَدِموا الوَغى انتَجَعوا لها ... في كلِّ أوبٍ نُجعةَ الأمطار .
جَنَبوا الجبادَ على المّطيِّ وزاوَجوا ... بينَ السُّروجِ هُناكَ والأكوارِ .
وكأنَّما مَلأوا عِيابَ دُروعِهم ... وغُمودَ أنصلِهم سَرابَ قِفار .
وكأنّ من صنعَ السوابغَ عزّهُ ... ماءُ الحديدِ فصاغَ ماءَ قَرار .
زَرداً وأحكمَ كلَّ موصِلِ حَلقةٍ ... بجَبابةٍ في مَوضِعِ المِسمار .
فتدَرَّعوا بمتونِ ماءَ راكدٍ ... وتَقَنَّعوا بحّبابِ ماءِ جار .
أسدٌ ولكن يؤثِرونَ بزادِهم ... والأسدُ لبس تَدينُ بالإيثارِ .
يَتعطَّفونَ على المُجاوِرِ فيهِمُ ... بالمُنفِساتِ تعطَّفَ الأظآرِ .
يتزَّينُ النادي بحُسنِ وُجوههِم ... كتَزيُّنِ الهالاتِ بالأقمار .
من كلِّ مَن جعلَ الظُّبى أنصارَهُ ... وكَرمنَ فاستغنى عنِ الأنصار .
واللَّيثُ إن بارزتَه لم يعتمِدُ ... إلاّ على الأنيابِ والأظفار .
وإذا هو اعتقلَ القناةَ حَسبتَها ... صِلاًّ تأبَّطَهُ هِزَبرٌ ضار .
زَردُ الدِّلاصِ منَ الطِّعان بِرُمحهِ ... مِثلُ الأساوِرِ في يدِ الإسوار .
ويَجُرُّ ثمَّ يجرُّ صَعدةَ رُمحه ... في الجَحفلِ المُتَضايِقِ الجَرّار .
ما بينَ تُربٍ بالدِّماءِ مُلبَّدِ ... لَزِقٍ ونَقعٍ بالطِّرادِ مُثار .
والهونُ في ظلِّ الهوينى كامِنٌ ... وجَلالُةُ الأخطارِ في الإخطار .
تَندى أسِرّةُ وَجهه ويَمينهِ ... في حالةِ الإعسارِ والإيسارِ .
ويَمدُّ نحوَ المكرُماتِ أنامِلاً ... لِلرِّزقِ في أثنائِهنَّ مَجار