قلت : التيرصيع صنعة يتعاطاها كفاة البلغاء في النثر . فأما في النظم فهو أبعد مرماً من أن يسمو إليه ناظر ويرفرف عليه خاطر . وكثيراً ما يتفق لي أمثالها في أثناء قصائدي ومقطعاتي مثل قولي في مدحة نظامية : .
وافرح فما يلقى لسدك هادم ... وامرح فما يلفى لحدك ثالم .
فإذا سخوت فإن سيبك عارض ... وإذا سطوت فإن سيفك عارم .
فلذاك تخشى من قناك مطاعن ... وكذاك تغشى من قراك مطاعم .
وأنشدني لنفسه في معنى لم يسبق إليه : .
لا تعلون على السلطان طائفة ... وبعد ذاك لتفعل كل ما فعلت .
لا تحرق النار إلا كل نابتة ... لأنها نازعتها في العلا فعلت .
ومن غزلياته التي يتغنى بها قوله : .
هواك على مر الجديدين لا ببلى ... وأنت على مر التعتب مستحلى .
ومثلك يا من ليس يوجد مثله ... وإن كان يقلي حبة القلب لا يقلى .
وفاؤك فيها سورة أبداً تتلى ... وحبك فيها صورة أبداً تجلى .
فما ساحت الأنهار ودك لا يسلى ... وما فاحت الأزهار عهدك لا يبلى .
قلت : قد وفق طبعه في نقل الفارسية إلى العربية توفيقاً زوى عن غيره من الفضلاء وحيل بينه وبين سواه من الشعراء مثل قوله في ترجمة قول الفرخي الشاعر : .
خط آوردى رواست بر روى جوماه ... خوشتر كشتي از آنجه بودى صد راه .
در آرزوى خط تو خوبان سياه ... بر روى همى كشند خطهاى سياه .
وقال في ترجمة قول الشاعر : .
تابير بدى دو زلف بر عارض بست ... صد برده دريده كشت وصد توبه شكست .
خوبيت بمستى وبهشيارى هست ... هشيار نكو ترى ندانم يا مست .
منذ قرصت الصدغ ... فوق عارض كالبدر .
نقضت ألف توبة ... هتكت ألف ستر .
حسنك باق حالة الصحو وحال السكر .
في الصحو أبهى أنت أم ... في السكر لست أدري .
وترجم قول القائل : .
آنجا كه نيابد نابد برى كويي ... وآنجا كه نيابد از زمين بر روى .
عاشق كشى ومراد عاشق جوى ... اينت خوشى وظريفي وخوش خوى .
فقال : .
تحجب في وقت الحجاب فلا ترى ... وتنبت في وقت اللقاء من الأرض .
وتصمي الموالي ثن تبغي مرادهم ... وذا غاية في الظرف والخلق المرضي .
وله : .
عذرت يا من وجهه ... قد عذر المعهودا .
يحسدك الصباح مذ ... أريتها الخدودا .
تخط في خدودها البيض خطوطاً سودا .
الشيخ أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي .
مشتغل بما يعنيه وإن كان استهدافه للمختلفة إليه يعنيه . وقد خبط ما عند أئمة الأدب من أصول كلام العرب خبط عصا الراعي فروع الغرب . وألقى الدلاء في بحارهم حتى نزفها ومد البنان إلى ثمارهم إلى أن قطفها . وله في علم القرآن وشرح غوامض الأشعار تصنيفات بيديه لأعنتها تصاريف تصريفات . وقلما يعرض على الرواة ما يصوغه من نسمات الأشعار ويبدي ما يفتح كمامها عن النوار . فمما أنشدني لنفسه قوله وقد دخل على الشيخ الإمام أبي عمر سعيد بن هبة الله الموفق وهو في كتابه يتعلم الخط ويكتب : .
إن الربيع بحسنه وبهائه ... يحكيهما خط الرئيس أبي عمر .
فكأنه في الدرج يرقم كاتباً ... ولي لطاف بنانه فتق الزهر .
خط غدا ملء العيون ملاحةً ... متنزهاً للحظ قيداً للبصر .
أخذت نقوش العين بدعة صنعه ... فتعطلت ورقوم موشي الحبر .
وسأله عبد الكريم الجبلي أبياتاً يصف فيه خطه فقال : .
لعبد الكريم خطوط انيقه ... يحبرهن بحذق ونيقه .
يطرز بالخط قرطاسه ... كما طرز السحب لمع العقيقة .
سطور إذا ما تأملتها ... تخيلت منها غصوناً وريقه .
وغارسها مرهف ناحل ... يمج عليها بسنيه ريقه .
وبنيسابور خوخ يقال له مزوره أهدى منه شيئاً إلى بعض اصدقائه وكتب معه : .
الخوخ أرسل رائداً متقدماً ... ما مثله في طيبه باكوره