قد كانَ يومَ الوغى ماضي السِّنانِ وإنْ ... حادَ المُنازلُ للأقرانِ لن يَحِدِ .
أمضى وأجرأُ صدراً من غَضَنفرةٍ ... عَبلِ الذراعِ شَديدِ البطشِ ذي لِبَد .
كم من كميِّ غَدا في رِبقِ أحبُلِهِ ... فأحسنَ العَفوَ عنه غيرَ مُضطهِد .
أولاهُ منهُ نوالاً ثم أعتقَهُ ... رَطبَ اللسانِ بشُكرِ العَتيقِ والرَغَد .
ومنها : .
أبا شُجاعٍ فتى الهَيجا وفارسَها ... ومُشتري الشُّكرِ بالإنفاقِ والصَّفَدِ .
هذي بَنو أسَدٍ جاءت بِمؤيِدَةٍ ... صَمّاءَ بائحةٍ هَدّت ذُرا أُحد .
سّطت على المتنبِّي من فوارسِها ... سَبعونَ جاءَته في مَوجٍ من الزَرَد .
حتى أتت وهوَ في أمنٍ وفي دَعَةٍ ... يسيرُ في سِتَّةٍ إن تُحصَ لم تَزِدِ .
كَرَّت عليهِ سِراعاً غيرَ واِنِيَةٍ ... فغادَرَته رَهينَ التُّربِ والثَّأد .
من بعد ما أعلمت فيهم أسِنَّته ... طعناً يُفرقُ بينَ الرّوحِ والجَسَدِ .
فاطلب بثأرِ فَتىً ما زِلتَ تَعضدُه ... للهِ دَرُّكَ من كهفٍ ومن عَضُدِ .
أذكِ العُيونَ عليهم أيَّةً سَلَكوا ... وضيِّقِ الأرضَ والأقطارَ بالرَّصَدِ .
شَرِّدهُمُ بجيوشٍ لا قِوامَ لها ... تَأتي على سَيدِ الأقوام واللّبَد .
أبو الحسن عليُّ بن محمد التِّهاميُّ .
هو وإن توج هامة تهامة بالانتساب إليها وطرَّزكمَّ الصناعة بالاشتمال عليها فإن مكانه لم يزل بالشام حتى انتقل من جوار بنيها الأجلة الكرام إلى جوار الله ذي الجلال والإكرام . وله شعر أدق من دين الفاسق وأرق من دمع العاشق كأنما روح بالشمال أو علل بالشمول فجاء كنيل البغية ودرك المأمول .
حدثني القاضي أبو جعفر بن إسحاق البحائي C قال : حدثني أبو كامل نعيم بن المفرج الطائي أن التهامي هذا كان في ابتداء أمره من السوقة : .
وقد كانَ يَرمي عن مَريرةِ قَوسِهِ ... بِكالثلجِ تُذريهِ خروقُ الغَمائمِ .
ويَعلو كثيراً بالكَهامِ مُنَشنِشاً ... فِقارَ قَطوفٍ ذي ثلاث قوائم .
ثم انتقطع إلى بني الجراح يمتدحهم ويستضيء بهم ويقتدحهم . وكانت له همة في معالي الأمور تسول له رئاسة الجمهور . فقصد مصر واستولى على أموالها وملك أزمة أعمالها وعُمالها . ثم إنه غدر به بعض أصحابه فصار ذلك سبباً للظفر به وأودع السجن في موضع يعرف بالمنسي حتى مضى لسبيله C . فمن محاسنه التي تعلق في كعبة الفصاحة قوله : .
كن من لواِحظِ عينيها على حذرٍ ... فإنَّ ألحاظها أمضى من البُتُرِ .
أهتزُّ عندَ تمني وصلها طَرباً ... ورُبَ أمنيَّةٍ أحْلى من الظَّفَر .
َجني عليَّ وأجثي من مَراشفِها ... ففي الجَنى والجناياتِ انقضى عُمُري .
أَهدي لنا طيفُها نَجداً وساكنَهُ ... حتى اقتنصنا ظِباءَ البدوِ في الحَضَرِ .
فباتَ يخلو لنا من وجهِها قَمراً ... من البراقعِ لولا كُلفةُ القَمر .
وراعَها حرُّ أنفاسي فقلتُ لها : ... هواي نارٌ وأنفاسي من الشَّرَر .
فزادَ دُرَّ الثَّنايا دَرُّ أدمُعِها ... فالتفَّ منتظمٌ منه بمنتَثِرِ .
فما نَكَرنا من الطَّيفِ الملمِّ بنا ... مِمَّن هَويناه إلا قلةَ الخَفَر .
ومن بدائعه في هذه الراثية قوله : .
لولاهُ لم يَقضِ في أعدائه قَلمٌ ... ومجِلبُ الليثِ لولا الليثُ كالظُفرِ .
ما صَرَّ إلاّ وصَلت بيضُ أنصُلهِ ... في الهامِ أو أطَّتِ الأرماحُ في الثُّغَر .
وغادرت في العِدا طَعناً يحفُّ بهِ ... ضربٌ كما حَفَّتِ الأعكانُ بالسُّرَر .
قلت : هذا والله هو المعنى البيع والربيع المريع والتشبيه للائق والغرض الموافق وقد كان يملكني الإعجاب بقول ابن المعتز : .
وتحتَ زنابيرٍ شَدَدْنَ عقودَها ... زنابيرُ أعكانٍ معاقدُها السُّرر