وله أيضاً في القاضي أبي القاسم الداودي الهروي : .
حططنا على بعد المسير رحالنا ... إلى روض مجد لامع الزهرات .
لدى سيد أضحى مبيناً بفضله ... على كوز الإسلام عز هرات .
وله أيضاً من خمرية : .
وطاف علينا بالمدام مهفهف ... إذا ماس مال الغصن تحت ثيابه .
تود كؤوس الراح حين يديرها ... لو استبدلت من راحها برضا به .
وله يصف ليلة أسهره فيها البعوض : .
يا ليلة حط فيه ... رحلي بشر محل .
فأزعج الحر بردي ... وأتلف البعض كلي .
قلت : وهذا من باب الإبهام في الصنعة وذلك أنه جمع بين الحر والبرد فهما ضدان وكذلك البعض والكل . ومراده من البرد النوم ومن البعض لسع البعوض . فمقصوده فيها خلاف مفهوم الناس منها والله D أعلم .
الأديب أبو يوسف يعقوب بن أحمد .
وقد أشرت إلى طرف من ذكره أول هذا الكتاب وسأشير إلى طرف من شعره في هذا الكتاب في هذا الباب . وهو متنفسي من بين أهل الفضل وموضع نجواي ومستودع شكواي . ثم لا أعرف اليوم من ينوب منابه في أصول الأدب محفوظاً ومسموعاً حتى كأنه قرانه أوحي إليه مفصلاً ومجموعاً . فتأليفاته للقلوب مآلف وتصنيفاته في محاسن أوصافها وصاف ووصائف . والكتب المنقشة بآثار أقلامه تزري بالروض الضاحك غب بكاء رهامه وتعجز الوصاف الحاذق على بعد مطارح أوهامه فكم منفسات من تلك الدرر جعلتها لقلائدي هذه أوساطاً وكم مرويات من تلك الدرر وردت منهلها العذب التقاطاً فلم أر بها حماماً ورقاً يردن جماماً زرقاً ولا غطاطاً يلغطن كالنيط إلغاطاً . اللهم إلا فراطاً من الظمأ إلى زلال الفضل يصدعون إليه أردية الليل البهيم ويشربون منه شرب العطاش اليهم وكان من أوكد الأسباب الدواعي إلى تأليف هذا الكتاب بعثه إياي عليه وإهابته بي إليه .
فللزجر ألهوب وللساق درة ... وللسوط مني وقع أخرج مهذب .
ومحله مني داخل تحت قولي فيه : .
يعقوب عمي وغير بدع ... وعم قلبي ولاء عمي .
ودي له كالصباح عار ... ولا أوري ولا أعمي .
فمما أنشدني لنفسه من معانيه الأبكار التي لا تقرع إلا بدقائق الأفكار قوله : .
تظن علو المرء بالمال حازه ... وليس بعال معدماً وهو ماهر .
لقد ملت عن نهج الصواب معانداً ... أمالك عن مسخوط رأيك زاجر .
فمم علو البدر والمال غائب ... وفيم سفال الكنز والمال حاضر .
وكتب إلى العميد أبي بكر القهستاني عند منصرفه عن ديار الغربة : .
كلامك روح أجسام الكلام ... ولفظك فاعل فعل المدام .
ودونك كل ممدوح كلاماً ... وعبدك كل حر في الأنام .
لعمر علاك هل أبصرت مثلاً ... لنفسك في شمائلك الكرام .
بمصر وغيرها من كل مصر ... وفيما طفت من يمن وشام .
وفي أرض العراق بلاد يمن ... وحيث حللت بالبلد الحرام .
فكيف وأنت فذ في المعالي ... فريد في مكارمك التؤام .
وكتب إليه أيضاً : .
يا أبا بكر علياً ... ما رأى مثلك أنس .
أنت في الحزن سرور ... أنت في الوحشة أنس .
أنت غيث أنت بدر ... أنت ليث أنت شمس .
أنت للسؤدد قطب ... أنت للعلياء أس .
إن تحملت فقدس ... أو تكلمت فقس .
وأنشدني لنفسه في الأمير أبي الفضل الميكالي : .
رأيت عبيد الله يضحك معطياً ... ويبكي أخوه الغيث عند عطائه .
وكم بين ضحاك يجود بماله ... وآخر بكاء يجود بمائه .
وكتب القاضي أبي جعفر البحاثي : .
أبا جعفر كم جعفر من مدامع ... ترقرقه ذكرى ليال تسلفت .
طلعت بها شمساً وقد غاب بدرها ... فما زلت طلق الوجه حتى تكشفت .
وشعشعت راحاً من حديثك دونها ... معتقة صهباء في دنها صفت .
ودبجت روضاً من بنانك أعجبت ... وهيجت رقشاً من هجائك أتلفت .
وشردت ألاف الحيا فتشردت ... وألفت شراد النهى فتألفت .
وقرطست مرمى القول حين رميته ... إذا كف رام من مراميه أخطفت