قصدت ذراه اليوم في مرجحنة ... من الأمر أحدوها ويردع رادع .
فإن تقبل العذر الذي قد بسطته ... فذاك وإلا فالذي حمّ واقع .
قلت : تأمل هذا الكلام وأنصف لتعلم ما بينه وبين الكرامية الفلانية الذين يقولون : قتلت السراج بمعنى أطفأت ورأيت الجماع في النوم أي احتلمت وأكلت الخجل أي خجلت . وحاشا هذا الفاضل من إدبار تلك الأكسية ودبر تلك الأقفية وسخنة تلك العيون وسعة تلك البطون وجنونهم في طريقتهم والجنون فنون ! .
أبو عمرو يحيى بن صاعد بن سيار .
الهروي ابن قاضي هرات .
وصاعد هذا هو أخو القاضي أبي الفتح الذي مرّ شعره وسبق ذكره . وهذا الشاب كأبيه وعمه . وإذا شبهته بهما فقد خصصته من المدح بأعمه . وقد جمعتنا الحضرة بنيسابور إلا أن الوحل ألزمني الرحل فلم ألتق به . وأهدى إلي الأديب يعقوب أبياتاً من قيله خدم بها المجلس العالي النظامي وهي : .
قل لنظام الملك في صدره ... يا سيد الناس أما فرصه .
ينشد فيها عبده بعض ما ... أنشأ من نظم ومن قصه .
لم يك لي قصد سوى أنني ... أنال من إكرامه حصه .
فكيف يثنيني على حسرة ... أجول فيها وعلى غصه .
لست أرى في مجده فسحةً ... لرد آمالي ولا رخصه .
أأنثني من عنده خائباً ... لم يسقني من عطفه مصه .
والله قد آثره بالعلا ... وخصه الله بما خصه .
ما زال كل في العلا يدعيّ ... وهي بك الساعة مختصه .
وكتب إلى الأجل شرف السادة البلخي وقد زاره : .
قد فاز سهمي وعلت رتبتي ... إذ زار بيتي شرف الساده .
وأضحت الأموال مجلوبةً ... لديّ والآمال منقاده .
حملني من عبء أفضاله ... ما لو حواه جبل آده .
فكيف أقضي شكر ما شاده ... من شرف أقدح أزناده .
لم يبتدع شيئاً ولكنه ... جرى على الفضل الذي اعتاده .
وليس من يأتي العلا كلفةً ... كمثل من يأتي العلا عاده .
لا زال في عز وفي دولة ... ونال من دنياه ما ارتاده .
الغانمي الهروي .
هو أبو العلاء محمد بن غانم شاب فاضل اختلف إلى نيسابور وحصل ديوان شعري وانتسخه من جمعي وأمره على سمعي . وله شعر حسن ووراءه للزيادة مواعد وله في مناهل الآداب بعد موارد وارتبط لخدمة التأديب في الدار العالية النظامية فانساب رونق الإقبال في متصرفات أحواله ولاحت آثار السعادة على صفحات جاهه وماله . فمما نشدني لنفسه قوله في خدمة نظامية من قصيدة : .
ضياء الشمس جزء من جبينك ... وناصية الليالي في يمينك .
إذا قيست بك الوزراء يوماً ... فأسدهم ثعالب في عرينك .
وقوله فيه : .
نظام الملك يا شمس الممالك ... ويا قمر الأسرة والأرائك .
لقد رضت الليالي فاستكانت ... حوادثهن لينة العرائك .
وأصبحت المشارق كلها في ... يمينك والمغارب في شمالك .
وكتب إلي أبياتاً اخترت منها قوله فيها : .
تدور في يديها الكأس ريا ... مدار الشمس في يدها الثريا .
براح يد ترد الشيخ طفلاً ... وراح فم تعيد الميت حيا .
لها صفتان من نار وماء ... يعمان الأسى غرقاً وشيا .
غدائر غادرت عيني غديراً ... وحالي مثلها لوناً ولياً .
وكتب إلي أيضاً يصف كتابي هذا : .
بقيت فأنت من أضحى وأمسى ... على الفضلاء كلهم رئيسا .
ودمية قصرك الغراء وافت ... فحاكت في محاسنها عروسا .
أتيت بها يداً بيضاء حتى ... كأنك في الذي أبدعت موسى .
وقد أحييت موتى الفضل فينا ... كما قد كان يحيي الميت عيسى .
الشيخ أبو بكر الأسفزاري