قلت : قد أنجزت ما وعدت والآن مطية غيرها اقتعدت ولنوع آخر من سياقة أسامي هذا القسم قعدت ونكصت على عقبى إلى بلخ لأفرغ منها ثم هلم جرا إلى أن وجد الخالع للحبل مجرا . واللفظ - من هاهنا - للقاضي منصور بن محمد الأزدي فاسمعه من هذا القروي وأنسبه إلى ذاك الهروي .
السيد الأجل أبو الحسن .
علي بن أبي طالب البلخي .
شرف السادة عمه وله أخص الفضل وأعمه . وهو من أغصان تلك الدوحة العلياء ومن أزهار تلك الروضة الغناء . ورأيت الشيخ أبا عامر يروي بين يدي عمه شعره وأسارير وجهه من السرور تبرق ولسانه بالحمد والشكر ينطق هزة لما يرشح به إناؤه من فضل مختزن في إهابه ونجابة سار ذكره بها وشرف قدرها به ولم يتفق التقائي به على شغفي بأدبه ومكانتي من البيت الذي بنى عليه رواقه . وظلل بسمكه المشرئب إلى السماك أعناقه . ولا أدري متى أدال على الفراق بالتلاق وإنما الدولة حسن الاتفاق فأنفض بحضرته عياب الأشواق وأدرع طيب العيش بحواشيه الرقاق وأسمع شعره من لسانه وأقطف ورده من أغصانه .
وقد رأيت في كتاب قلائد الشرف من تأليف الشيخ أبي عامر الجرجاني قافية قافيّة منسوبة إليه . فلم أتمالك أن قلت : عين الله عليه وحواليه وتعجلت بها حظ السعادة إلى أن أتدرج إلى الزيادة وهي : .
أرقت وحجري بالمدامع يشرق ... وقلبي إلى شرقي رامة شيق .
وما زلت أحمي بالتصبر مهجة ... يكر عليها للصبابة فيلق .
خليلي هل لي بالعذيبة رجعة ... وإن لم يعاودني الصبا المتأنق .
وهل لي بأطراف الوصال تمسك ... وهل أنا من داء التفرق مفرق .
سقى مربع الميثاء ربعي بارق ... يشف دماء المحل حين يرنق .
ويلبسه وشياً من الخصب رائعاً ... إذا انهل من أرواقه فيه ريق .
بحيث الصبا فينان أخضر مورق ... يغازلني والعيش صاف مروق .
وكم قد مضى ليل على أبرق الحمى ... مضيء ويوم بالمشرق مشرق .
تسرقت فيه اللهو أملس ناعماً ... وأطيب أنس المرء ما يتسرق .
ويا حسن طيف قد تعرض موهناً ... وقلب الدجى من صولة الصبح يخفق .
تنسمت رياه قبيل وروده ... وما خلته يحنو عليّ ويشفق .
وقد نال أعلاق النباهة من له ... بخدمة مولانا الوزير تعلق .
وزير غدا للملك حصناً ممنعاً ... ومن رأيه للحصن سور وخندق .
يفوح إلينا من نسيم خصاله ... أريج كريح المسك بل هو أعبق .
أغر له في كل حلبة سؤدد ... مساع إلى نيل المحامد سبق .
وينفذ من سرّ الغيوب ذكاؤه ... كما السهم من جسم الرمية يمرق .
فلو فاخر السيف المصمم رأيه ... لعاد وحد السيف خزيان مطرق .
ولو حل بالأرض الجديبة يمنه ... لظلت بأنواع الربيع تفتق .
الشيخ أبو جعفر الموفق بن علي .
الكاتب البلخي .
شابّ شاب بالظرف شمائله وزر على شخص الفضل غلائله . يكتب في ديوان الوزارة بخط منتسخ من خلقه متسرق من خلقه يغض عند الربيع عيون الأزهار ويكور مداده الليل على النهار . ولم يطأ الحضرة النظامية حرسها الله فاضل إلا قام أمامه وعرض عليه خزانته وكبّ بين يديه كنانته . وأحسن أولاً قراه وأثقل ثانياً قراه . وبسطه إلى المجلس العالي فاسترسل وجراه على سلوك ذلك البساط فاستبسل ؛ عادة تعودتها منه كندة وشنشنة عرفوها من أخزم .
أما الشعر وما نحن فيه فمعقود بنواصيه فهو على نسج القوافي مطبوع ونسجه للقوافي مصنوع . وقلما يتفق للكتاب مثل نظمه وللشعراء مثل نثره .
وهذه القصيدة له عيدية مدح بها الصاحب نظام الملك حرس الله نظامه مطلعها : .
وصال مضى ليت الزمان يعيده ... وهجر أتى ليت الوصال يبيده .
ولا غرو أني أستعيد وصالكم ... فكل الذي سرّ امرأً يستعيده .
وإن أخلق العهد الذي كان بيننا ... فقلبي طري الذكر فيكم جديده .
غدوت سعيد الحب يوم لقائكم ... ولم يشق إلا بالفراق سعيده