قلت ففي كل واحد من هذه المقطّعات عِلقٌ يعلَق به القلب نفيسٌ وتجنيس تسكن إليه الروحُ أنيسٌ ولو كان قصدي من هذا الفصل غُنْماً بارداً من غنائم الفضل أعني شعرَ أبي غانم القصري لانْضاف إلى الرَّوض غدير وإلى الخَوَرْنَقِ سَدير لكنّي فقدتُ إحدى العينين وحَورها وارتضيتُ الأخرى وحولها وسألت الله تعالى ألاّ يُذيقني عَورها . وإذا ظفرت بما يصلح للإلحاق بهذا المكان من نثره السلسال ونظمه الطّنّان ألحقتُه به إن شاء الله تعالى .
ابنه الدِّهْخُدا أبو البدر المظفَّر .
ابن محمد بن معروف القَصْري كاتب عميد الملك وأمينه وعينه الباصرة ويمينه . وهو مع ذلك من بيت الفضل وعُنصر الأدب الجزل . فإنّ أباه أبا الحسن وعمّه أبا غانم كانا من نجوم الفضل وهو جارٍ على مَنهاجهما وراقٍ في مِعراجهما ومرشَّح لمهمّات الدواوين ومقرّب من تُكأة السلاطين . فممّا أنشدني لنفسه من بدائع مَعانيه قوله : .
بالسعيِّ واجِهْ نِعمةً ... تأتي ولا تَقْنعْ بشَبعهْ .
فالفَذُّ في عقْدِ الحسا ... ب بسعيه سيصيرُ سَبْعَهْ .
لا أعارَ أنْ أعرى وغي ... ري ثياب الوَشْي رافِلْ .
إنّ الحَمائم ذات أط ... واقٍ وجيدُ البازِ عاطلْ .
وقلت أنا في قريب من هذا المعنى بنوع آخر : .
لا تُنكري يا عزَّ إنْ ذلَّ الفتى ... ذو الأصل واستعْلى لئيمُ المحْتِدِ .
إنّ البُزاةَ رؤوسُهُنّ عواطلٌ ... والتاجُ معقودٌ برأس الهدهدِ .
وقد تصرّفتُ في معنى الهدهد بنوه أخر وهو : .
لا يَشرُفُ الرَّذْلُ بأنْ يكْتَسي ... منَ الغِنى تاجاً وديباجا .
وهل نَجا الهدهدُ من نَتْنه ... بلُبسِه الديباجَ والتاجا .
وأنشدني الشيخ أبو عامر قال : أنشدني الدَّهْخُدا أبو البدر لنفسه : .
أبدى العميدُ ببغدادٍ تخلُّفَه ... والقَومُ نحوَ قَليبِ المجدِ فُرّاطُ .
وقد يغُطّ كثيراً من أسافلِهِ ... كأنّ أسفلَهُ المَشؤومَ خَرّاطُ .
وقد سمعنا قديماً كلّ نادرةٍ ... وما رأيْنا عميداً وهُو ضَرّاطُ .
قلت : غطيطُ ها هنا كفرقعة الظهر في شعر ابن الحجّاج وكلاهما من باب الكفاية والكناية .
العميد طاهرُ المستوفي .
أنشدني الأديب يعقوب قال : أنشدني الوزير أبو سعد الآبيُّ له وقد كتب بها إليه : .
أنا في المنزل وَحْدي ... وكذاك الشيخُ وحدَهْ .
وسَواءٌ كانَ عندي ... وسَواءٌ كنتُ عندهْ .
فإذا جاء رسولي ... فليُجِبْ أو يَدْعُ عبدَه .
أبو سعد الأثيريّ الخَوارزميّ .
أنشدني القاضي أبو جعفر محمد بن إسحاق البحاثي قال : أنشدني الأستاذ أبو محمد العبدُلْكانيّ قال : أنشدني الأثيريّ لنفسه وكتب بها إلى الشيخ أبي الحسن عبد الجليل رحمهم الله جميعاً وكان له غلامٌ طُلب منه بمال ثم أجّره رَسَنه وأخّر عنه ثمنه : .
إن كنتَ تطلبُ بَدْري يا أيا الحسن ... فزِنْ له بَدرةً نَقداً من الثمنِ .
أو لا فرخِّصْ عليك النَّيكَ مقتصِداً ... واجلِدْ عُميرةَ فاللذاتُ بالمُؤّنِ .
وله : .
وشاعرٍ أنشدَ شِعراً له ... ينقض في أخره أوّلَهْ .
عاتبتُه فيه فلم يكترثْ ... وبالذي استبعدْتُه أوّلهْ .
فدلّني ذاكَ على أنّه ... ذو خَبَل في عقله أوْ وَلَهْ .
وقال القاضي أبو جعفر البحاثي C : عرضَ عليّ محمد العَبدُلْكانيّ رقعة بخطّ الأثيريّ كتب بها إليه وفيها : على الأستاذ الجليل بديع الدُّهور والأزمان وقريعَ القُرون والأقران سلامٌ ثرّة أخلافُه لذةٌ أعطافه : .
هلُمَّ إلى ما عُذِّبتْ طولَ ليلها ... بنارٍ فأضحتْ يَطَّبِينا زَفيرُها .
ترنَّمُ من تحتِ الخِناقِ تَغيُّظاً ... ترنُّمَ ثكلى شّذَّ عنها فريرُها .
هَلُمَّ إليها حِسْبةً لتُعينَها ... فأنت لعَمري عونُها ونصيرُها