وما زِلتَ في عيني فتصرّفتْ ... صروفُ الليالي فانصرفْتَ لها قَذى .
وخُنتَ ومأمولي وفاؤكَ ضِلَّةً ... ومن مأمن الإنسان بفجؤه الأذى .
وهذه أيضاً بِكرٌ لن تفترغ وبِدعٌ لم يُخترع . وأنشدني لنفسه أيضاً في الشيخ عميد المُلك رحمة الله عليه وقد حجَبَه .
قالوا : حُجبتَ عنِ العميد فقلت : ما ... في ذاكمُ عارٌ عليَّ وعابُ .
البدرُ محتفٌّ بهالتِهِ الدُّجى ... واللبثُ ملتفٌّ عليه الغابُ .
إنْ يُحجبِ العافونَ دون لقائه ... فنواله ما إنْ عليه حجابُ .
مثلُ السماء إذا توارتْ شمسُها ... بسحابها فِلَوَبْلِها تَسْكاب .
وقد زاد على أبي تمام في ذكر الشمس وإلاّ فكلّ الناس عيالٌ عليه والشرط أنْ يزيدَ الأخرُ على الأول إذا أخذ منه المعنى بتمامه ليسوغَ له التطفُّل عليه فأما الأخذ مع القصور فالعجز عليه مقصور بقوله هذا المعنى . وقد حلّه الشيخ والدي C بقوله : " السماء إذا احتجب أرجاؤها وجَبَ ارتجاؤها " . وأنشدني الشيخ أبو عامر قال : أنشدني القارزيّ لنفسه : .
وكم دولةٍ قد كنتُ أرجو نُمُوَّها ... فلما تناهَتْ صِرتُ أرجو زَوالها .
ظننتُ بها خيراً لنفسي وإنّما ... ذَخرتُ لربّي في المفازة آلَها .
وإنَّ امرأً لم يَكفِ قَوماً مهمةً ... سَواءٌ عليه ما عليها ومالَها .
أبو محمد معصوم بن أحمد .
المعصومي الدِّهِسْتانيّ .
قال الشيخ أبو عامر : كان هذا المعصومي فتىً حسن الأخلاق حلوَ المذاق . أقام بأطراف خُراسان مدةً . فمن شعره الذي أنشدنيه لنفسه قوله : .
كَتمتُ هواكُمُ يومَ التقَينا ... وهل يخفى ودمعُ العينِ يُنهي .
وكان الماءُ في وجهي مَصوناً ... فماءُ العين أذهبَ ماءً وجهي .
وله أيضاً : .
مالي أراكَ إذا سَلِمتُ مُتاركي ... وتعودُني إنْ مسَّني الإعلالُ .
كالبدر لا يرتادُ وهْو مُنوَّرٌ ... وتَرومُه الأبصارُ وهْوَ هِلالُ .
القاضي أبو زيدٍ محمد بن القاسم .
الجَعْدوي الدِّهِسْتانيّ .
ولي قضاء جُرجان في الأيام المسعودية وبقي على عمله إلى آخر الدولة الطغرُليّة . وكان قد تفقّه بالعراق . ورأيته بدِهِسْتان شيخاً خفيف الروح ثقيل الأذُن . فممّا أنشدني لنفسه قوله : .
رجوتُكَ لي عوناً على الدهر صاحباً ... يُمهِّد أسبابي ويُدني المطالبا .
فلم تَكُ إلاّ حارمي ما رجَوتُهُ ... وإلاّ لما أعطانيَ الدهرُ سالبا .
عفا الله عني يومَ آتيكَ أمِلاً ... وأتركُ باب الله ذي الفضل جانبا .
وما واردٌ ماءً بفيفاء صادياً ... بأخيبَ مني حين جئتُك طالبا .
وقوله أيضاً : .
أَصبحَ وخْطُ الشيب لي واعظاً ... أنصِحْ به من واعظٍ أنصِحِ .
وكلّما راجعَ قَلبي الصِّبا ... قال لي الشيبُ : أما تستحي .
أخوه .
أبو عبيد الحسن بن القاسم المَعْدويّ .
أنشدني لنفسه في الرئيس أبي المحاسن وهو من أملح ما سمعته في معناه : .
دخلتُ على الرئيس وكان خِلواً ... لشوقٍ كان يجلبني إليه .
فلمّا أن رأيتُ رأيتَ فرداً ... ولم أرَ من بنيهِ ابناً لديهِ .
يريد أنه يُكنّى أبا المحاسن والمحاسن على هذه القضية أبناؤه وهو خِلوٌ منها .
غياث بن محمد الدِّهِسْتانيّ .
أنشدني الشيخ أبو الحسن الزاويّ قال : أنشدني غياث لنفسه : .
ليسَ إلى ما تُريدُ ما لَمْ ... تَلتقِ أسبابُه مَساغُ .
مخلع البسيط .
والعِلمُ من شَرطه ثلاثٌ ... المالُ والحِرصُ والفَراغُ .
وله يشكو الحجاب وضيق الدهليز : .
لمّا قصدْنا جعفرَ بن محمدٍ ... أُنسَ الكرام وسَلوةَ الأحرارِ .
قالوا : الطريقُ إليه ضَنْكٌ مظلمٌ ... صَعبٌ تَوغُّلُه على الزُّوّار .
فأجبتهم أنّ العَلاءَ طريقُه ... صَعبٌ وأنّ النارَ في الأحجار