تقيٌّ نقيٌّ طاهرٌ علمٌ له ... محاسن مجدٍ لا تعدّ صغارها .
فأجابه والده عن ذلك بقصيدة أنشدني منها : .
أياديك ربي غيثها وانهمارها ... عليّ كثيرات وقد عز جارها .
فمن ذاك نجلي أحمد الفاضل الذي ... غدا وهو بحرٌ للعلوم ودارها .
أبا حامدٍ لا زلت في العلم صاعداً ... إلى رتبةٍ يعلو السماك قرارها .
تشيد أركاناً له وتشيدها ... فمنك مبانيها وأنت منارها .
أتاني قصيدٌ منك فاقت بصنعةٍ ... فما إن تسامى أو يرام اقتدارها .
وما لي قوىً تأتي إليّ بمثلها ... وقد أعجز الطائيّ منهنا احورارها .
فأسأل ربي أن يوقيك الردى ... ويصرف عنك العين شطّ مزارها .
واقترح عليه العلامة أثير الدين أبو حيان أن ينظم له في الشطرنج مثل بيت ذكره له على قافية الهمزة فقال أبياتاً منها : .
فنظمي حبيب للقلوب برقةٍ ... ومعنى به يعزى إلى المتنبئ .
ولست عن الأشعار يوماً بعاجز ... ولا أنا عن نظم القوافي بجبأ .
ولما ورد إلى دمشق في سنة أربع وأربعين وسبع مائة لزيارة والده على العادة التي له من زمن السلطان الملك الناصر محمد كتبت إليه : .
أبا حامدٍ إني بشكرك مطرب ... كأن ثنائي في المسامع شيز .
لقد حزت فضل الفقه والأدب الذي ... يفوت الغنى من لا بذاك يفوز .
وفتّ المدى مهلاً إلى الغاية التي ... لها عن لحاق السابقين بروز .
فأصبحت في حل الغوامض آيةً ... تميل إلى طرق الهدى وتميز .
كأن حروف المشكلات إذا أتت ... لديك على حل العويص رموز .
وأثريت فاصرف للمساكين فضلةً ... فعندك من درّ البيان كنوز .
تجيد القوافي والقوى في بنائها ... فبيتك للمعنى الشرود حريز .
سألت فخبر عن صلاة امرئ غدت ... يحار بسيطٌ عندها ووجيز .
تجوز إذا صلى إماماً ومفرداً ... وإن كان مأموماً فليس تجوز .
فأوف لنا كيل الهدى متصدقاً ... فأنت بمصرٍ والشآم عزيز .
فمن ذا الذي يرجى وأنت كما نرى ... مجيدٌ مجيبٌ للسؤال مجيز .
فكتب الجواب عن ذلك سريعاً : .
أيا من لشأو العلم بات يحوز ... ومن لسواه المدح ليس يجوز .
ومن حاز في الآداب ما اقتسم الورى ... فليس لشيء منه عنه نشوز .
ومن ضاع عرف الفضل منه ولم يضع ... بجدواه عرف الجود فهو حريز .
سألت وما المسئول أعلم الذي ... أردت ولا منه عليك بروز .
وقلت امرؤ لا يقتدي غير أنه ... إماماً وفرداً بالجواز يفوز .
وذاك فتى أعمىً نأى عنه سمعه ... وليس لأفعال الإمام يميز .
فهاك جواباً واضحاً قد أبنته ... ومثلي عن حلّ الصعاب ضموز .
فإن كان هذا ما أردت فإنما ... بفضلك في الدنيا تفكّ رموز .
وإن لم يكنه فالذي هو لازم ... جوابٌ لمضمون السؤال يجوز .
فلا زلت تبدي من فضائلك التي ... تزيد مع الإنفاق وهي كنوز .
فأنت صلاح الدين والناس والدنا ... وأنت خليلٌ والخليل عزيز .
وكتبت إليه وهو بدمشق ملغزاً : .
ما غائصٌ في يابس كلما ... تضربه سوطاً أجاد العمل .
ذو مقلةٍ غاص بها رأسه ... والرأس في العادة مأوى المقل .
فكتب الجواب من وقته : .
لله لغزٌ فاق في حسنه ... فظلّ في الألغاز فرداً فضل .
أراه في المثقاب إن لم يكن ... قد غاب عن فاسد فكري فضل .
وأنشدني من لفظه لنفسه أبياتاً يخرج منها الضمير على العادة لكنه عكس العدد فجعل للأول ستة عشر وللثاني ثمانية وللثالث أربعة وللرابع اثنين وللخامس واحداً وهي :