واستقبل أبا عبد الله بن الدراع وهو متكئ على يد غلام أسود فقال أبو عبد الله : هذا الأسود يصلح لخدمة سيدنا فقال البتي : أي الخدم ؟ فقال : خدمة الفراش فقال : اللهم غفراً أرمى بالبغاء وليس في منزلي خنفساء ويعرى منه سيدنا وفي داره جميع بني حام .
وكان يرمى بالبغاء والأبنة والبخر فوقع بينه وبين أبي القاسم ابن فهد ملاحاة ومنابذة ثم أصلح فخر الملك بينهما فقال في ذلك : .
وكل شرطٍ للصلح أقبله ... إن أنت أعفيتني من القبل .
وسقاه الفقاعي يوماً في دار فخر الملك فقاعاً لم يستلذه فرد الكوز مفكراً فقال له الفقاعي : في أي شيء تفكر ؟ فقال : في دقة صنعتك كيف أمكنك أن تخرى في هذه الكيزان كلها مع ضيق رأسها ؟ وأتاه غلامه في مجلس حفل وقال : إن ابنك وقع من ثلاث درج فقال : ويلك من ثلاث بقين أو خلون ؟ فلم يفهم عنه فقال : إن كان خلون فسهلٌ وإن كان بقين فيحتاج إلى نائحة .
ودخل الرقي العلوي على فخر الملك فقال : أطال الله بقاء مولانا وأسعده بهذا اليوم فقال له : وأي يوم هذا ؟ فقال : أيلون فقال البتي : بالنون فقال : ما قرأت النحو فقال البتي : أنت إذاً معذور فإنك ثلاث أرباع رقيع ولم يكن أحد يسلم من لسانه وثلبه وإذا اتفق أن يسمعه من يقول ذلك فيه التفت إليه معتذراً وقال : مولاي ها هنا ؟ ما علمت بحضوره . وكأنه يباح له ثلبه غائباً . وكان مع ذكائه وتوقده أشد الناس غباوةً في الأمور الجدية وأبعدهم من تصورها . وكان له معرفة بالغناء وصنعته لا تكاد المغنية تغني بصوت إلا ذكر صنته وشاعره وجميع ما قال في معناه .
وقال البتي يصف كوز الفقاع : .
يا رب ثديٍ مصصته بكراً ... وقد عراني خمار مغبوق .
له هديرٌ إذا شربت به ... مثل هدير الفحول في النوق .
كأن ترجيعه إذا رشف الرا ... شف فيه صياح مخنوق .
وقال : .
ما احمرت العين من دمعٍ أضرّ بها ... في عرصتي طللٍ أو إثر مرتحل .
لكن رآها الذي تهوى وقد نظرت ... في وجه آخر فاحمرت من الخجل .
وله تصانيف منها : كتاب " القادري " . وكتاب " العميدي " . وكتاب " الفخري " . قال الوزير أبو القاسم المغربي : كان ابوالحسن البتي أحد المتفننين في العلوم لا يكاد يجارى في فن من العلوم فيعجز عنه وكان مليح الحاضرة طيب المذاكرة مقبول الشاهد رأته على باب أحد رؤساء العمال وقد حجب عنه فكتب إليه : .
على أي بابٍ أطلب الإذن بعدما ... حجبت عن الباب الذي أنا حاجبه .
فخرج الإذن له في الحال وتوفي سنة ثلاث وأربع مائة فقال الرضي يرثيه : .
ما للهموم كأنها ... نارٌ على قلبي تشبّ .
والدمع لا يرقا له ... غربٌ كأن للعين غرب .
ما كنت أحسب أنني ... جلدٌ على الأرزاء صعب .
ما أخطأتك النائبا ... ت إذا أصابت من تحبّ .
ورثاه الشريف المرتضى أخوه أيضاً بأبيات منها : .
يا أحمد بن علي والردى عرضٌ ... يزور بالرغم منا كل زوار .
وقد بلوتك في سخطٍ وعند رضى ... وبين طيٍّ لإنباء وإظهار .
علقت منك بحبلٍ غير منتكثٍ ... عند الحفاظ وعودٍ غير خوّار .
فلم تفدني إلا ما أضنّ به ... ولم تزدني إلا طيب أخبار .
لا عار فيما شربت اليوم غصته ... من المنون وهل بالموت من عار .
ولم ينلك سوى ما نال كل فتى ... عالي المكان ولاقى كل جبار .
ابن خيران الكاتب .
أحمد بن علي بن خيران الكاتب المصري أبو محمد ولي الدولة صاحب ديوان الإنشاء بمصر بعد أبيه . كان أبوه فاضلاً بليغاً أعظم قدراً من ابنه وأكثر علماً وكان أحمد يتقلد ذلك للظافر ثم للمستنصر وكان رزقه في كل سنة ثلاثة آلاف دينار وله عن كل ما يكتبه من السجلات والعهود والتقاليد رسوم يستوفيها وكان شاباً حسن الوجه جميل المروءة واسع النعمة طويل اللسان جيد العارضة كثير الوصف لشعره والثناء على براعته حمل إلى بغداذ جزءين من شعره ورسائله لتعرض على الشريف المرتضى وغيره ويستشير في تخليدهما دار العلم لينفذ بقية الديوان ثم مات سنة إحدى وثلاثين وأربع مائة أيام المستنصر بالله ومن شعره :