يحملها وأدخل على المعتصم وأحمد ابن أبي دواد إلى جانبه وقد جمع خلقاً كثيراً من أصحابه فأدناه المعتصم ثم أجلسه وقال : لولا أني وجدتك في يد من كان قبلي ما عرضت إليك ثم قال لهم : ناظروه وكلموه . فقال له عبد الرحمن بن إسحاق : ما تقول في القرآن ؟ " قال : فقال له أحمد : ما تقول في علم الله ؟ فسكت . وقال بعضهم : أليس قال الله تعالى : " الله خالق كل شيء " والقرآن أليس بشيء ؟ فقال : قال الله : " تدمر كل شيء بأمر ربها " فدمرت إلا ما أراد الله . فقال بعضهم : " ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث " أفيكون محدثاً غير مخلوق ؟ فقال : قال الله : " A والقرآن ذي الذكر " فالذكر هو القرآن وتلك ليس فيها ألف ولام . وذكر بعضهم حديث عمران ابن حصين : إن الله خلق الذكر فقال : هذا خطأ حدثنا غير واحد أن الله كتب الذكر . واحتجوا بحديث ابن مسعود : ما خلق الله من جنة ولا نار ولا سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي فقال : إنما وقع الخلق على الجنة والنار والسماء والأرض ولم يقع على القرآن . فقال بعضهم : حديث خباب : يا هنتاه تقرب إلى الله بما استطعت فإنك لن تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه فقال : هكذا هو . فقال ابن أبي دواد : يا أمير المؤمنين هو والله ضال مضل مبتدع . فقال المعتصم : كلموه وناظروه . فتطول المناظرة بينهم وبينه فيقول المعتصم : ويحك يا أحمد ما تقول ؟ فيقول : أعطوني شيئاً من كتاب الله أو سنة رسول الله حتى أقول به . فيقول ابن أبي دواد : ما تقول إلا ما في كتاب الله أو سنة رسوله ! .
فيقول أحمد ابن حنبل : تأولت تأويلاً فأنت أعلم وما تأولت ما يحبس عليه وما يقيد عليه . فقال المعتصم : لئن أجابني لأطلقن عنه بيدي ولأركبن إليه بجندي ولأطأن عقبه . ثم قال : يا أحمد إني والله عليك لشفيق وإني لأشفق عليك كشفقتي على هارون ابني ما تقول ؟ فيقول : أعطني شيئاً من كتاب الله أو سنة رسوله . فلما طال المجلس ضجر وقال : قوموا وحبسه المعتصم عنده . ثم ناظروه ثاني يوم وجرى ما جرى في اليوم الأول وضجروا وقاموا . فلما كان في اليوم الثالث أخرجوه فإذا الدار غاصة وقوم معهم السيوف وقوم معهم السياط وغير ذلك فأقعده المعتصم وقلا : ناظروه . فلما ضجروا وطال الأمر قربه المعتصم ونقال له ما قال في اليوم الأول فرد عليه أيضاً كذلك . فقال : عليك وذكر اللعن ثم قال : خذوه واسحبوه وخلعوه . فسحب ثم خلع وسعى بعضهم إلى القميص ليخرقه فنهاه المعتصم فنزعه قال أحمد بن حنبل : فظننت أنه إنما ذرئ عن القميص لئلا يخرق ما كان في كمتي من الشعر الذي وصل إلي من شعر النبي A . ثم مدت يداه وخلعتا فجعل الرجل يضربه سوطين . فقيل له : شد قطع الله يدك . فيتأخر ويتقدم غيره فيضربه سوطين كذلك . ونخسه عجيف بسيفه وقال : تريد أن تغلب هؤلاء كلهم ؟ وبعضهم يقولك يا أمير المؤمنين دمه في عنقي اقتله ولم يزل يضربه إلى أغمي عليه وسحب وخرج به وألقي على ظهره بآرية وداسوه وهو مغشي عليه فآفاق بعد ذلك وجيء إليه بسويق وقالوا : اشرب وتقيأ فقال : لا أفطر وكان صائماً ثم خلي عنه فصار إلى منزله فكان مكثه في السجن منذ أخذ وحمل إلى أن ضرب وخلي عنه ثمانية وعشرين شهراً . وقال ابن أبي دواد : وضرب ابن حنبل نيفاً وثلاثين أو أربعة وثلاثين سوطاً وكان أثر الضرب بيناً في ظهره إلى أن توفي Bه . ولم يزل بعد أن برئ يحضر الجمعة والجماعة ويفتي ويحدث حتى مات المعتصم وولي الواثق فأظهر ما أظهر من المحنة والميل إلى ابن أبي دواد وفي أيامه منع ابن حنبل وقال : لا يجتمعن إليك أحد ولا تساكني بأرض ولا مدينة أنا فيها فاذهب حيث شئت من أرض الله . فاختفى أحمد بن حنبل في غري منزله في القرب ثم عاد إليهم بعد أربعة أشهر أو ستة لما طفئ خبره ولم يزل مختفياً لا يخرج إلى صلاة ولا غيرها حتى مات الواثق . ثم إن المتوكل أحضره وأكرمه وأطلق له مالاً فلم يقبله فألزم ففرقه بعد ما قبله وأجرى على أهله وولده أربعة آلاف في كل شهر ولم تزل عليهم جارية حتى مات المتوكل . ثم إن أحمد بن حنبل اعتل فكان المتوكل يرسل إليه ابن ماسويه الطبيب فيصف له الأدوية فلا يتعالج منها بشيء ثم إنه أذن له في الانصراف إلى منزله وعظمه تعظيماً كثيراً مدة مقامه عنده في العسكر . ثم إنه اعتل علة موته ومرض في أول يوم من شهر ربيع الأول ليلة الأربعاء وحم وتوفي يوم الجمعة لاثنتي