إبراهيم بن محمود بن سالم بن مهدي أبو محمد وأبو إسحاق الأزجي المقرئ المعروف بابن الخير الحنبلي ولد سنة ثلاث وستين وتوفي سنة ثمان وأربعين وست مائة C تعالى سمع الكثير وروى الكتب وطال عمره ورحل إليه الناس وكتب بخطه كثيراً من الكتب المطولة ولقن خلقاً كثيراً كتاب الله تعالى أسمعه والده في صباه من أبي الحسين عبد الحق بن عبد الخالق بن يوسف والكاتبة شهدة بنت الإبري وخديجة بنت أحمد بن الحسن النهرواني وغيرهم وسمع هو بنفسه على جماعة قال ابن النجار : كتبت عنه شيئاً يسيراً على ضعف فيه وذلك أني رأيت جزءاً بيده فيه طرق قراءات ادعى يحيى الأواني الضرير أنه قرأ بها على عمر بن ظفر المغازلي وأبي الكرم ابن الشهرزوري القرائين وهي بخطيهما إلا أن اسم الأواني في جميعها مكتوب على كشط خطاً ظاهراً بيناً فأعلمته أنها باطلة مختلقة وأنه لا يجوز للأواني أن يروي بها ولا لأحد أن يقرأ بها على الأواني وعرفه الحال وقرأ بها عليه فذكر لي ولده أنه رجع عن ذلك ومزق الخطوط وأبطلها فذكرت ذلك القراء فأحضر الجزء بعينه ورايته على حاله الأول فتعجبت من ذلك ونسأل الله السلامة منه .
جمال الدين كاتب سر حلب .
إبراهيم بن محمود بن سلمان بن فهد الحلبي القاضي جمال الدين أبو إسحاق ابن شيخنا العلامة شهاب الدين محمود وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى كاتب السر بحلب مرتين ولد سنة ست وسبعين وست مائة في شعبان وهو أخو شمس الدين محمد بن محمود كاتب سر دمشق وقد تقدم ذكره في المحمدين كتب المنسوب الأقلام السبعة طبقة وهو من أظرف الناس فيما يكتبه خصوصاً من التاريخ والحواشي على الهوامش كتب بخطه المليح نسخة بجامع الأصول لم ير أحد أظرف منها وكتب السيرة لابن هشام بخطه أيضاً من أحسن ما يكون وكان والده ينشئ المناشير والتقاليد والتواقيع ويكتبها هو بخطه فتجيء نهايةً في الحسن لفظاً وخطاً وكان القاضي علاء الدين ابن الأثير يألفه ويأنس به كثيراً ولما عزل القاضي عماد الدين إسماعيل ابن القيسراني عن كتابة سر حلب جهز هذا جمال الدين إلهيا فأقام في حلب قريباً من ست عشرة سنة ثم إن السلطان الملك الناصر عزله في نوبة الحلبيين ولؤلؤ سنة ثلاث وثلاثين وسبع مائة فطلب إلى القاهرة ورسم عليه في دار الوزارة مديدةً وفرج عنه وتوجه الأمير سيف الدين تنكز إلى مصر طلبه من السلطان فأنعم له به ورتب في جملة كتاب الإنشاء بدمشق وصاحب الديوان إذ ذاك ابن أخيه القاضي شرف الدين أبي بكر وسيأتي ذكره في حرف الباء إن شاء الله تعالى فأقام بدمشق قليلاً وعزل شرف الدين من كتابة السر بدمشق على ما يأتي في ترجمته وأبطل جمال الدين فلازم بيته يسمع أولاده الحديث وعكف على نسخ السيرة فلما كان سنة ثمان وثلاثين وسبع مائة - في ما أظن - طلبه السلطان إلى مصر ورتب بعد مديدة في جملة كتاب الإنشاء ولما توفي صلاح الدين ابن عبيد الله C أعطي معلومه ثم إن القاضي علاء الدين ابن فضل الله أقبل عليه وسلم إليه الديوان ورتبه في جملة موقعي الدست يجلس بين يدي السلطان ويجلس قدام النائب ولم يزل كذلك إلى أن طلب القاضي ناصر الدين من حلب إلى كتابة السر بدمشق فرسم للقاضي جمال الدين بعوده إلى كتابة سر حلب في سنة سبع وأربعين وسبع مائة فتوجه إليها ثانيةً ولم يزل بها كاتب السر إلى أن عزل بالقاضي زين الدين عمر بن أبي السفاح في جمادى الأولى سنة تسع وأربعين وسبع مائة ورتب له راتب يكفيه وهو شهي الألفاظ حسن المحاضرة حفظة للأشعار والحكايات ممتع المذاكرة له ذوق في الأدب يذوق التورية والاستخدام ويذوق البديع ويحفظ من الألغاز كثيرا وسمع على الأبرقوهي وغيره من مشايخ عصره وأجاز لي مرويات بخطه في سنة ست وثلاثين وسبع مائة بدمشق لازمته مدة مقامي بالقاهرة سنة خمس وأربعين وسبع مائة بديوان الإنشاء بالقلعة وما كنت أحسبه ينظم شيئاً إلى أن أنشدت جماعة الموقعين لغزاً في مثقاب نظمته قديماً وهو : .
ما غائص في يابسٍ كلما ... تضربه سوطاً أجاد العمل .
ذو مقلةٍ غاص بها رأسه ... والرأس في العادة مأوى المقل .
فكتب القاضي جمال الدين الجواب : .
ميقات ما ألغزت لي في اسمه ... تم بتصحيفي له واكتمل