إبراهيم بن أحمد المعروف بابن المغربي الصدر الرئيس جمال الدين أبو إسحاق رئيس الأطباء بالديار المصرية والممالك الشامية ذو الرتبة المنيعة والمكانة العالية والوجاهة في الدولة والحرمة عند الناس خصوصاً في أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون لقربه من السلطان وخدمة الأكابر الأمراء والوزراء في مواطن كثيرة سراً وجهراً وكان ممن خرج صحبة الركاب الناصري سنة ثمان وسبع مائة وأقام معه بالكرك وتردد في الدخول إليه مع من كان يدخل إليه من ذوي الخدم ثم تفرد بذلك مع الخاصكية فصارت له بهذا خصوصية ليست لأحد وكان السلطان يعرف له حق ذلك ويرعاه ويطمئن إليه ويعول دون كل أحد عليه وكان أبوه شهاب الدين أوحد أهل زمانه في الطب وأنواع الفضائل وقرأ جمال الدين على مشايخ الأطباء وأخذ عن أبيه الطب والنجامة إلى غير ذلك وكان أبوه كثير السرور به والرضى عنه وفرق مالاً على بنيه ثم تركهم مدة وطلب منهم المال فأحضر إليه جمال الدين المال وقد نماه وثمره ولم يحضر غيره المال لتفريط حصل فيه فازداد جمال الدين مكانه من خاطره ورد عليه المال ومثله معه وكان إذا رآه قال : هذا إبراهيم سعيد وكان الأمر على ما ذكره وصدقت فراسته وخدم السلطان في حياة أبيه وتقدم لديه وباشر المارستان وفوضت إليه الرياسة مطلقاً ثم أخذ في الترقي إلى أن عد من أعيان الدولة وأكابر أرباب المراتب والتحق بدرجة الوزراء وذوي التصرف بل زاد عليهم لإقبال السلطان عليه وقربه منه وكان أول داخل إليه يدخل كل يوم قبل كل ذي وظيفة برانية من أرباب السيوف والأقلام فيسأل السلطان عن أحواله وأحوال مبيته وأعراضه في ليلته فيحدثه في ذلك ثم أمور بقية المرضى من السلطان والأمراء ومماليك السلطان وأرباب وظائف وسائر الناس ويسأله السلطان عن أحوال البلد ومن فيه من القضاة والمحتسب ووالي البلد وعما يقوله العوام ويستفيض فيه الرعية ومن لعله وقع في تلك الليلة بخدمة أو أمسك بجزيرة أو أخذ بحق أو ظلم ولهذا كان يخشى ويرجى وتقبل شفاعاته وتقضى حاجاته وكان يجد سبيله إذا أراد لغيبة أرباب الوظائف السلطانية ولا يجدون سبيلاً لهم عليه إذ تناط بهم أمور من تصرف في مال أو عزل وولاية يقال في ذلك بسببهم ولا يناط به شيء من ذلك يقال فيه بسببه فلهذا طال مكثه ودامت سعادته ولم يغير عليه مغير ولا استحال عليه السلطان وحصل النعم العظيمة والأموال الوافرة والسعادة المتكاثرة . أخبرني القاضي شهاب الدين أحمد بن فضل الله قال : لقد حرص النشو على رميه من عين السلطان بكل طريق فلم يقدر حتى إنه عمل أوراقاً بما على الخاص من المتأخرات من زمان من تقدمه وذكر فيها جملة كثيرة ثمن صنف أظنه رصاصاً بيع من جمال الدين ثم قرأ الأوراق على السلطان ليعلمه أن له أموالاً واسعة يتكسب فيها ويتاجر على السلطان قال لي ابن قروينه وكان حاضراً : قرأتها والله أعلم لقد بقي يعيد ذكر جمال الدين مرات ويرفع صوته ثم يسكت ليفتح السلطان معه باباً فيه فيقول : فماذا يريد ؟ فما زاد السلطان على أن قال : هذا لا تؤخره روح الساعة أعطه ماله ولا تؤخر له شيئاً . وقال لي القاضي شهاب الدين ابن فضل الله أيضاً : وكان السلطان عارفاً بما لجمال الدين من المنافع مما يحصل له من الخلع الكوامل والبغال المسرجة الملجمة والتعابي والقماش والإنعامات من الآدر السلطانية والأمراء وآدرهم والأعيان عنده عافية مرضاهم إلى غير ذلك من الافتقادات هذا إلى ما له من الجوامك والرواتب والإنعامات والتشريف السلطاني وجامكية المارستان والتدريس من رسوم التزكية وخدم الناس والمكسب مع الاقتصاد في النفقة والاقتصار على الضروري الذي لا بد منه . وكان يلازم الخدمة سفراً وحضراً ويتجمل في ملبوسه ومركوبه وحشمه وداره وجواريه وخدمه من غير إسراف ولا تكثر وكان السلطان لا يقول له إلا يا إبراهيم وربما قال يا حكيم إبراهيم ولقد قال مرة بحضوري إبراهيم صاحبنا يعني جمال الدين المذكور وكان غاية منه في قرب المحل والأمن إليه وله مع هذا خصوصية ببكتمر الساقي أنه إلى جانب السلطان أميل وعلى رضاه أحل وجمال الدين على إفراط هذا العلو وقرب هذا الدنو لا يتكبر ولا يرى نفسه إلا مثل بعض الأطباء توقراً لجماعة رفقته كلهم ويجل اقدار ذوي السن منهم وأهل الفضل ويخاطبهم بالأدب ويحدثهم بالحسنى ويأخذ