يقول لي اركبني ولا تفشه ... يريد الجامي واسراجه .
وكتب إليه النشؤ أحمد بن نفاذة يستدعيه أيام المشمس : .
دعا الناس للذات مشمس حلق ... فقد أسرعوا من كل غرب ومشرق .
فقم يا عماد الدين تحظ بأكله ... ولا تثن عنه عزمة السير تسبق .
وقل حين يبدو أحرم اللون مشرقاً ... ويا حسنه من أحمر اللون مشرق .
لأكلك ما يلقى الفؤاد وما لقى ... وللتوت ما لم يبق مني وما بقي .
فأجاب العماد عن ذلك : .
تغنم زمان الجود في اللهو وأسبق ... وفز باجتماع الشمل قبل التفرق .
هلموا إلينا نحو مشمس حلق ... وثم لما نهى على الأكل نلتقي .
تصفر شوقاً لانتظار قدومنا ... ومن يتشوق ذا الفضائل يشتق .
وما رمقت للشوق رمد عيونه ... فإن تترمق منه تنظر وترمق .
نواظر أحداق لهن في حدايق ... نواضر أن يحدق بها المرء يحذق .
إذا حضرت أطباقه غاب رشدنا ... لما نتلاقى من مشوق وشيق .
لأن مذاب الشهد فيه مجسد ... أجد له عهد الرحيق المعتق .
وما اصفر إلا خوف أيدي جناته ... فليس له أمن من المتطرق .
حكى جمرات بالأضي قد تعلقت ... فيا عجباً من جمره المتعلق .
كأن نجوم الأرض فوق غصونه ... فيا حيرتا من نجمه المتألق .
وحباتها محمرة وجناتها ... فمن يرها مثلى يحب ويعشق .
بدت بين أوراق الغصون كأنها ... كرات نضار في لجين مطرق .
فلما أنشدت للسلطان صلاح الدين قال تشبيه الورق باللجين غير موافق فإن الورق أخضر فقال العماد بالزمرد محدق : .
تساقطها أشجارها فكأنها ... دنانير في أيدي الصيارف ترتقي .
وكتب العماد إليه أيضاً جواباً من أبيات : .
مصور بل مدور عجب ... ترى به وهو جامد شعلا .
ففي قلوب الأشجار منه جذي ... وفي ظهر الغصون منه حلى .
طلوا بماء النضار ظاهره ... لباطن في حشاه نار طلا .
حلى تبر على عرايس أغ ... صان تشكت من قبلها عطلا .
حمر حسان الوجوه قد لبست ... من خضر أوراقها لها حللا .
عرايس من خدورها برزت ... تحسب أشجارها لها كللا .
وهي كشهب السماء راجمة ... جن جناة يقطفها كفلا .
عيونها الرمد في ترقبنا ... جاحظة أبرزت لنا مقلا .
ومن شعر العماد الكاتب : .
متلون كمدامعي متعفف ... كضمايري متعذر كوسايلي .
أنا في الضنى كالخضر منه اشتكي ... من حاير ما يشتكي من حائل .
ومن شعره يمدح المستنجد بالله : .
وما كل شعر مثل شعري فيكم ... ومن ذا يقيس البازل العود بالنفض .
وما عز حتى هان شعر ابن هانيء ... وللسنة الغراء عز على الرفض .
ومن شعره أيضاً : .
أفدى الذي خلبت قلبي لواحظه ... وخلدت لدغا الحب في كبدي .
صفات ناظره سقم بلا ألم ... سكر بلا قدح جرح بلا قود .
معشق الدل من تيه ومن صلف ... مرنح العطف من لبن ومن ميد .
على محياه من نار الصبي شعل ... وورد خديه من ماء الحياة ندى .
ويحكى عنه أنه قال يوماً للفاضل سر فلا كبابك الفرس فأجابه القاضي دام علاء العماد وهذا الجواب أول مصراع للقاضي ناصح الدين الأرجاني فإن كان الفاضل استحضره فحسن وإن كان اخترعه فأحسن وكلا الكلامين مما يقرأ مقلوباً واجتمعا يوماً في موكب السلطان وقال أيضاً : انتشر الغبار لكثرة الفرسان بما سد الفضاء فأنشده العماد في الحال .
أما الغبار فإنه ... مما أثارته السنابك .
والجو منه مظلم ... لكن أنار به السنابك .
يا دهر لي عبد الرحي ... ر فلست أخشى من نابك