فلما سلم علي وحيا حاورت منه كريم المحيا فقال : ألست ابن نصر شاعر العصر ؟ فقلت : نعم فغار ماء وجهه ونضب وأثار كامن حقده علي الغضب وقال : يا معشر الأدباء والفضلاء الألباء متى أهملت بينكم الحقوق وحدث فيكم هذا العقوق وأضيعت عندكم حرمة السلف وخلف فيكم هذا الخلف أأنهب وتغضون ويغار علي وترتضون ألست أول من شرع لكم البديع وأنبع لكم عيون التقسيم والترصيع وعلمكم شن الغارات على ما سن من عجائب الاستعارات وأراكم دون الناس غرائب أنواع الجناس فكل شاعر بعدي وإن أغرب وزين أبكار أفكاره فأعرب فلا بد له من الاعتراف بأساليبي والاغتراف من منابع قليبي وهذا حق لي على من بعدي لا يسقطه موتي ولا بعدي .
ومن الحزامة لو تكون حزامة ... أن لا تؤخر من به تتقدم .
فلما ملكتني سورة دعواه وحركتني فورة شكواه قلت : أيها الشيخ الأجل سلبت المهل وألبست الخجل فما ذاك ومن ذاك ؟ قال : كنت بحضرة القدس ومستقر الأنس إذ جاءني عبدان لم يكن لي بهما يدان فأزلفاني إلى مقر الخلفاء ووقفاني بين يدي الأئمة الأكفاء وإذا لديهم جماعة الوزراء والقضاة ومن كنت أمتدحهم أيام الحياة فأومأوا بالدعوى علي إلى ابن أبي داود وكان علي شديد الاتقاد سديد سهام الأحقاد فحكم علي برد صلاتي والفدية بجميع صومي وصلاتي فقلت قول المدل الواثق عائداً بالمأمون والمعتصم والواثق : يا أمراء المؤمنين ما هذه المؤاخذة بعد الرضى وقد مضى لي من خدمتكم ما مضى ؟ فقال المأمون وصمت الباقون : يا ابن أوس إنك مدحتنا والناس بأشعار منحولة وقصائد مقولة منقولة وكلام مختلق سرقته من قائله قبل أن يخلق فلما آن أوانه واتسق زمانه استرد ودائعه منك وهو غير راض عنك فقلت : ومن ذا الذي أعدمني بعد الوجود وأعاضني المعدوم بالموجود وملك علي فني وأصبح أحق به مني ؟ فقال : كأنك لا تعرف الواعظ الموصلي الولاد الحوصلي البلاد الغريب العمة القريب الهمة البعبعي الإيراد الودعي الإنشاد .
كأنما بين خياشيمه ... مفكر يضرب بالطبل .
الذي انتزعك مدائحه وارتجعك منائحه واستلبك قلائده واحتلبك قصائده بعدما كنت تغير أسماءها وتحلي بغير نجومها سماءها فأصبح يتقرب إلى ملوك عصره بما كنت تدعيه ويعي منه ما لم تكن تعيه نازعاً عن وجوهها سواتر النقب واضعاً هناءها مواضع النقب قد جعل إليه عقدها وحلها وكان أحق بها وأهلها فقلت : خاب الساعون وإنا لله وإنا إليه راجعون قد كان عهدي بهذا الرجل فارضاً فمتى صار قارضاً وأعرفه يتستر بالحشوية فمتى ارتبك بين البديهة والروية وكان ذا طبع جافي عن التعرض لنظم القوافي وقد كان أخرج من الموصل وليس معه قران يوصل فاشتغل بترهات القصاص نصباً على ذوات الأعين من وراء الخصاص .
وعاش يظن نثر الإفك وعظاً ... وينصب تحت ما نثر الشباكا .
وأين منابذة الوعاظ من جهابذة الألفاظ بل أين أشعار الكراسي من قولي ما في وقوعك ساعة من باس والعبد يسأل الإقراء عنه ليتلطف في ارتجاع ما انتزع منه فقال : اذهب وأتني بيقين أدفع به عنك بوادر الظنون وشاور في النصرة وانتصح واستعين بقومك وصح .
يا آل جلهمة بدارك إنما ... أشفار عينك ذابل ومهند .
وقد بدأت من قومي ببني جراح فآتيهم شاكين بالسلاح جادين في إلحاق الجلنبك بصاحب الشوبك وقد بدأوا من قتله بكسر رجله .
وكنت إذا قومي غزوني غزوتهم ... فهل أنا في ذا آل همدان ظالم