ولما قتل أخوه الملك الأشرف خليل على ما سيأتي إن شاء الله تعالى في ترجمته في عاشر المحرم سنة ثلاث وتسعين وست مائة وقتل من قتل من قاتليه وقع الاتفاق بعد قتلة بيدرا أن يكون السلطان الملك الناصر أخوه هو السلطان وزين الدين كتبغا هو النائب والأمير علم الدين الشجاعي هو الوزير وأستاذ الدار واستقر ذلك .
ووصل إلى دمشق الأمير سيف الدين ساطلمش والأمير سيف الدين بهادر التتري على البريد في رابع عشرين المحرم ومعهما كتاب من الأشرف مضمونه : أننا استنبنا أخانا الملك الناصر ناصر الدين محمداً وجعلناه ولي عهدنا حتى إذا توجهنا إلى لقاء العدو يكون لنا من يخلفنا فحلف الناس على ذلك وخطب الخطيب ودعا للسلطان الملك الأشرف ثم دعا لولي عهده الملك الناصر أخيه وكان ذلك تدبيراً من الشجاعي .
وفي ثاني يوم ورد مرسوم من مصر بالحوطة على موجود بيدرا ولاجين وقراسنقر وطرنطاي الساقي وسنقرشاه وبهادر رأس نوبة .
وظهر الخبر بقتل السلطان الملك الأشرف واتفاق الكلمة على سلطنة الملك الناصر أخيه .
واستقل زين الدين كتبغا نائباً والشجاعي مدبر الدولة وقبض على جماعة من الأمراء الذين اتفقوا على قتلة الشرف وهم : الأمير سيف الدين نوغاي وسيف الدين الناق وعلاء الدين الطنبغا الجمدار وشمس الدين آقسنقر مملوك لاجين وحسام الدين طرنطاي الساقي ومحمد خواجا وسيف الدين اروس وكان ذلك في خامس صفر فأمر السلطان الملك الناصر بقطع أيديهم وتسميرهم أجمعين وطيف بهم مع رأس بيدرا ثم ماتوا إلى العشرين من صفر فبلغ كتبغا أن الشجاعي قد عامل الناس في الباطن على قتله .
فلما كان خامس عشرين صفر ركب كتبغا في سوق الخيل وقتل بسوق الخيل أمير يقال له البندقداري لأن جاء إلى كتبغا وقال له : اين حسام الدين ؟ أحضره ! .
فقال ما هو عندي فقال : بل هو عندك ومد يده إلى سيفه ليسله فضربه بلبان الأزرق مملوك كتبغا بالسيف وحل كتفه ونزل مماليك كتبغا فأنزلوه وذبحوه في سوق الخيل .
ومال العسكر من الأمراء والمقدمين والتتار والأكراد إلى كتبغا ومال البرجية وبعض الخاصكية إلى الشجاعي لأنه أنفق فيهم في يوم ثمانين ألف دينار وقرر أن كل من أحضر راس أمير كان اقطاعه له .
وحاصر كتبغا القلعة وقطع الماء عنها فنزل البرجية ثاني يوم من القلعة على حمية وقاتلوا كتبغا وهزموه إلى بئر البيضاء فركب الأمير بدر الدين البيسري وبدر الدين بكتاش أمير سلاح وبقية العسكر نصرة لكتبغا وردوهم وكسروهم إلى أن أدخلوهم القلعة وجدوا في حصارها فطلعت الست والدة السلطان الملك الناصر إلى أعلى السور وقالت : ايش المراد ؟ فقالوا : ما لنا غرض غير إمساك الشجاعي فاتفقت مع الأمير حسام الدين لاجين الأستاذ دار وأغلقوا باب القلة وبقي الشجاعي في داره محصوراً وتسرب الأمراء الذين معه واحداً بعد واحد ونزلوا إلى كتبغا فطلب الشجاعي الأمان فطلبوه إلى الست وإلى حسام الدين لاجين أستاذ الدار ليستشيروه فيما يفعلونه فلما توجه إليهم ضربه ألاقوش المنصوري بالسيف قطع يده ثم ضربه أخرى برا رأسه ونزلوا برأسه إلى كتبغا وجرت أمور وأغلقت أبواب القاهرة خمسة أيام ثم طلع كتبغا إلى القلعة سابع عشرين صفر ودقت البشائر وفتحت الأبواب وجددت الأيمان والعهود للسلطان الملك الناصر وأمسك جماعة من البرجية كانوا مع الشجاعي .
وجاء الخبر إلى دمشق ثالث شهر ربيع الأول بقتل الشجاعي والحوطة على ما يتعلق به وخطب الخطيب يوم الجمعة حادي عشرين ربيع الأول للسلطان الملك الناصر استقلالاً بالملك وترحم على أبيه المنصور وأخيه الأشرف .
وفي عشرين شهر رجب ورد البريد من مصر بالحلف للسلطان الملك الناصر وأن يقرن معه في الأيمان كتبغا وخطب الخطيب بالدعاء للسلطان ولولي عهده الأمير زين الدين كتبغا .
وفي سلخ رجب ورد البريد بأن السلطان الملك الناصر ركب في أبهة الملك وشعار السلطنة ركب وشق القاهرة دخل من باب النصر وخرج من باب زويلة عائداً إلى القلعة وزين الدين كتبغا والأمراء يمشون في ركابه وفرح الناس بذلك ودقت البشائر .
ولم يزل مستمراً في الملك إلى حادي عشر المحرم سنة أربع وتسعين فتسلطن زين الدين كتبغا وتسمى الملك العادل وحلف له الأمراء بمصر والشام وزينت له البلاد ودقت البشائر