وأكثر شناع عليه لخصومه أنه أكثر من إيراد الشبه والأدلة للخصوم ولم يجب عنها بطائل . حضرت أنا والشيخ فتح الدين ابن سيد الناس C عند الشيخ أثير الدين أبي حيان فجاء ذكر الإمام فخر الدين فذكر ابن سيد الناس أن ابن جبير ذكر عنه في رحلته قال : ثم دخلت الري فوجدت ابن خطيبها قد التفت عن السنة وشغلهم بكتب ابن سينا وأرسطو فقال لي الشيخ أثير الدين وأظنه تقي الدين ابن دقيق العيد - يقول : فخر الدين وإن كان قد أكثر من إيراد شبه الفلاسفة وملأ بها كتبه فإنه قد زلزل قواعدهم . قلت : الأمر كما قال لأنه إذا ذكر للفلاسفة أو غيرهم من خصومه شبهة ثم أخذ في نقضها فإما أن يهدمها ويمحوها ويمحقها وإما أن يزلزل أركانها من ذلك أنه أتى إلى شبهة الفلاسفة في أن وجود الله تعالى عين ذاته ولهم في ذلك شبه وحجج قوية مبنية على أصولهم التي قرؤها فقال : هذا كله ما نعرفه ولكن نحن نعلم قطعاً أن الله تعالى موجود ونشك في ذاته ما هي فلو كان وجوده عين ذاته لما كنا نعلم وجوده من وجه ونجهله من وجه إذ الشيء لا يكون في نفسه معلوماًً مجهولاً .
هذا أمر قطعي فانظر إلى هذه الحجة ما أقواها وأوضحها وأجلاها كيف تهدم ما بنوه وتدكدك ما شيدوه وعلوه وما رأيت أحداً يقول إذا عابه غير ذلك ولم يأت بشيء من عنده حتى يقول كان ينبغي أن نجيب عن كذا وكذا فيكون قد استدرك ما أهمله وأغفله والأعمال بالنيات .
ولما مات الإمام فخر الدين خلف ثمانين ألف دينار سوى الدواب والعقار وغير ذلك وخلف ولدين الأكبر منهما تجند في حياة أبيه وخدم خوارزم شاه والآخر اشتغل ولم نعلم له ترجمة وأظنه الذي صنف له الأربعين في أصول الدين لكنه قال : لأكبر أولادي محمد والله أعلم .
وكان الإمام في أيامه له صورة كبيرة وجلالة وافرة وعظمة زائدة .
ذكر ابن مسدي في معجمه عن ابن عنين C يقول سمعت أبا المحاسن محمد بن نصر الله ابن عنين C يقول : كنت بخراسان في مجلس الفخر الرازي إذ أقبلت حمامة يتبعها جارح فسقطت في حجر الرازي وعاذت به وهو على منبره فقمت وأنشدت بديهاً : .
يا ابن الكرام المطعمين إذا شتوا ... في كل مسغبةٍ وثلجٍ خاشف .
والعاصمين إذا النفوس تطايرت ... بين الصوارم والوشيج الراعف .
من نبأ الورقاء أن محلكم ... حرمٌ وأنك ملجأ للخائف .
وافت إليك وقد تدانى حتفها ... فحبوتها ببقائها المستأنف .
ولو أنها تحبى بمالٍ لانثنت ... من راحتيك بنائلٍ متضاعف .
جاءت سليمان الزمان حمامةٌ ... والموت يلمع من جناحي خاطف .
فخلع عليه جبة كانت عليه قال : فكان هذا سبباً لإقبال السعود علي وتسني الآمال لدي انتهى .
واقترح الإمام عليه قصيدة في كل كلمة منها سين فنظمها ابن عنين وأولها : .
مرسى السيادة سنة سيفية ... محروسة مسعودة التأسيس .
واقترح عليه قصدة أخرى في كل كلمة منها حاء فنظمها أيضاً وأولها : .
حيى محل الحاجبية بالحمى ... والسفح سيح مدلح سحاح .
والقصيدتان مثبتتان في ديوانه . ومدحه بقصيدة سيرها إليه من نيسابور منها : .
من دوحةٍ فخريةٍ عمريةٍ ... طابت مغارس مجدها المتأثل .
مكية الأنساب زاكٍ أصلها ... وفروعها فوق السماك الأعزل .
بحراً تصدر للعلوم ومن رأى ... بحراً تصدر قبله في محفل .
ومشمراً به بدعٌ تمادى عمرها ... قهراً وكاد ظلامها لا ينجلي .
فعلا به الإسلام أرفع هضبةٍ ... ورسا سواه في الحضيض الأسفل .
غلط امرؤٌ بأبي عليّ قاسه ... هيهات قصر عن مداه أبو علي .
لو أن رسطاليس يسمع لفظةً ... من لفظه لعرته هزة أفكل .
ولحار بطليموس لو لاقاه من ... برهانه في كل شكل مشكل .
فلو أنهم جمعوا لديه تيقنوا ... أن الفضيلة لم تكن للأول .
وقال ابن عنين : حصلت بلاد العجم من جهة فخر الدين وبجاهه نحواً من ثلاثين ألف دينار ذكر ذلك ابن أبي أصيبعة في تاريخه