قصد خوارزم وقد تمهر فجرى بينه وبين أهلها كلام فيما يرجع إلى العقيدة فأخرج من البلد وقصد ما وراء النهر فجرى له أيضاً ما جرى بخوارزم فعاد إلى الري وكان بها طبيب حاذق له ثروة وله بنتان فزوجهما بابني فخر الدين ومات الطبيب فاستولى على جميع نعمته ومن ثم كانت له النعمة ولما وصل السلطان شهاب الدين الغوري صاحب غزنة بالغ في إكرامه وحصلت له أموال عظيمة منه وعاد إلى خراسان واتصل بالسلطان خوارزم شاه محمد بن تكش وحظي عنده وأظنه توجه رسولاً منه إلى الهند .
وهو أول من اخترع هذا الترتيب في كتبه وأتى فيها بما لم يسبق إليه لأنه يذكر المسألة ويفتح باب تقسيمها وقسمة فروع ذلك التقسيم ويستدل بأدلة السبر والتقسيم فلا يشذ منه عن تلك المسألة فرع لها بها علاقة فانضبطت له القواعد وانحصرت له المسائل وكان ينال من الكرامية وينالون منه .
نقلت من خط الفاضل علاء الدين الوداعي من تذكرته أن الإمام فخر الدين الرازي C كان يعظ الناس على عادة مشايخ العجم وأن الحنابلة كانوا يكتبون له قصصاً تتضمن شتمه ولعنه وغير ذلك من القبيح فاتفق أنهم رفعوا إليه يوماً قصة يقولون فيها أن ابنه يفسق ويزني وأن امرأته كذلك فلما قرأها قال : هذه القصة تتضمن أن ابني يفسق ويزني وذلك مظنة الشباب فإنه شعبة من الجنون ونرجو الله تعالى إصلاحه والتوبة وأما امرأتي فهذا شأن النساء إلا من عصمه الله تعالى وأنا شيخ ما فيّ للنساء مستمتع هذا كلها يمكن وقوعه وأما أنا فوالله لا قلت أن البارئ سبحانه وتعالى جسم ولا شبهته بخلقه ولا حيزته انتهى .
ذكرت هنا ما يحكى من أنه رفع لبعض الوعاظ ممن يحسده ورقة فيها : إن زوجتك تزني هي وبناتك وأولادك يفسقون ويفعلون ويصنعون وأشياء من هذه المادة فقرأها في نفسه وقال : يا جماعة هذه الورقة فيها سب أهل البيت وذمهم العنوا من كتبها ! .
فقال الناس كلهم : لعنه الله .
ولما توفي الإمام فخر الدين بهراة في دار السلطنة يوم عيد الفطر سنة ست وست مائة كان قد أملى رسالة على تلميذه ومصاحبه إبراهيم بن أبي بكر بن علي الأصبهاني تدل على حسن عقيدته وظنه بكرم الله تعالى ومقصده بتصانيفه والرسالة مشهورة ولولا خوف الإطالة لذكرتها ولكن منها : وأقول : ديني متابعة سيد المرسلين وقائد الأولين والآخرين إلى حظائر قدس رب العالمين وكتابي هو القرآن العظيم وتعويلي في طلب الدين عليهما اللهم يا سامع الأصوات . ويا مجيب الدعوات ويا مقيل العثرات ويا راحم العبرات ويا قيام المحدثات والممكنات أنا كنت حسن الظن بك عظيم الرجاء في رحمتك وأنت قلت " أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي خيراً " وأنت قلت " أمن يجيب المضطر إذا دعاه " وأنت قلت " وغذا سالك عبادي عني فإني قريب : فهب أني جئت بشيء فأنت الغني الكريم وأنا المحتاج اللئيم وأعلم أنه ليس لي أحد سواك ولا أحد كريم سواك ولا أحد محسن سواك وأنا معترف بالزلة والقصور والعيب والفتور فلا تخيب رجائي ولا ترد دعائي واجعلني آمناً من عذابك قبل الموت وعند الموت وبعد الموت وسهل علي سكرات الموت وخفض عني نزول الموت ولا تضيق علي سبب الآلام والسقام فإنك أرحم الراحمين .
ثم قال في آخرها : واحملوني إلى الجبل المصاقب لقرية مزداخان وادفنوني هناك وإذا وضعتموني في اللحد فاقرؤوا علي ما تقدرون عليه من آيات القرآن العظيم ثم ردوا علي التراب بالمساحي وبعد إتمام ذلك قولوا مبتهلين إلى الله مستقبلين القبلة على هيئة المساكين المحتاجين : يا كريم يا كريم يا عالماً بحال هذا الفقير المحتاج احسن إليه واعطف عليه فأنت أكرم الأكرمين وأنت أرحم الراحمين وأنت الفعال به وبغيره ما تشاء فافعل به ما أنت أهله فأنت أهل التقوى وأهل المغفرة انتهى .
قلت : ومن وقف على هذه الألفاظ علم ما كان عليه هذا الإمام من صحة الاعتقاد ويقين الدين واتباع الشريعة المطهرة .
صلوةٌ وتسليم وروح وراحة ... عليه وممدود من الظل سجسج