ثم دخلت وجعلت الورقة في الدواة وظننت أنه ما رأى وقمت فقال : اجلس ما في هذه الورقة ؟ قلت : يقرأها سيدنا قال : اقرأها أنت وكررت عليه وهو يرد علي فقرأتها فقال : ما حملك على هذا ؟ فحكيت له فقال : وقف عليها أحد ؟ فقلت : لا قال : قطعها . قال : وأخبرني برهان الدين إبراهيم المصري الحنفي الطبيب وكان قد استوطن قوص سنين قال : كنت أباشر وقفاً فأخذه مني شمس الدين محمد بن أخي الشيخ ولاه لآخر فعز علي ونظمت أبياتاً في الشيخ فبلغته فأنا أمشي مرة خلفه وإذا به قد التفت إلي وقال : يا فقيه بلغني أنك هجوتني فسكت فقال : أنشدني وألح علي فأنشدته الأبيات وهي : .
وليت فولى الزهد عنك بأسره ... وبان لنا غير الذي كنت تظهر .
ركنت إلى الدنيا وعاشرت أهلها ... ولو كان عن جبرٍ لقد كنت تعذر .
فسكت زماناً وقال : ما حملك على هذا ؟ فقلت : أنا رجل فقير وأنا أباشر وقفاً أخذه مني فلان فقال : ما علمت هذا أنت على حالك فباشرت الوقف مدة وخطر لي الحج فجئت إليه استأذنه فدخلت خلفه فالتفت إلي فقال : أمعك هجو آخر ؟ فقلت : لا ولكنني قصدت الحج وجئت أستأذن سيدي فقال : مع السلامة ما يغير عليك . وأنشدني إجازة الشيخ ناصر الدين شافع قال : من نظم الشيخ تقي الدين قوله : .
تجاوزت حد الأكثرين إلى العلى ... وسافرت واستبقيتهم في المفاوز .
وخضت بحاراًص ليس يعرف قدرها ... وألقيت نفسي في فسيح المفاوز .
ولججت في الأفكار ثم تراجع اختياري إلى استحسان دين العجائز .
قلت : ولقد وقفت له على جواب طويل كتبه في درج إلى الأمير سيف الدين منكوتمر نائب السلطنة لحسام الدين لاجين وكان عند استاذه الجزء الذي لا يتجزأ وقد كتب فيه بعد البسملة : ورد على العبد الفقير محمد بن علي مخاطبة الأمير الكبير سيف الدين ووقف عليها وعجب منها الأمرين ثم أنه يذكر كل فصل ويجيبه عنه إلى أن قال في آخر ذلك : فكتب الأمير إلي كتاباً يكتب إلى من ليس عنده من الدين شيء ولو كان الأمير عرف مني ارتكاب الكبائر الموبقات ما زاد على مافعل وعلى الجملة فإن الله تعالى أمر نبيه بالمباهلة والملاعنة في الدين فقال لأهل الكتاب " فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين " فنتمثل أمر الله لرسوله ونقول : اللهم يا شديد البطش يا جبار يا قهار يا حكيم يا قوي يا عزيز يا قوي يا عزيز يا قوي يا عزيز قد نسبت إلى أكل الحرام من مال المدارس الغائبة وإلى أمور أنت عالم بسرها فإن كان ذلك في علمك صحيحاً فاجعل لعنتك ولعنة ملائكتك والناس أجمعين علي وإن لم يكن صحيحاً فاجعلها على من افترى علي بها وإن كان الولد قد فعل ما قيل من أخذ البراطيل فاجعلها عليه وإن لم يكن فاجعلها على من افترى عليه فهذا إنصاف وامتثال لما أمر الله به ورسوله وربك بالمرصاد والشكوى إلى الله الحكم العدل .
قيل أنه لم يلبث بعد ذلك إلا أسبوعاً أو قريباً منه حتى قتل السلطان أستاذه وقتل هو أيضاً .
الوزير سعد الدين الساوجي محمد بن علي الوزير الكبير سعد الدين الساوجي العجمي .
قتله خربندا وقتل معه الوزير مبارك شاه والملك ناصر الدين يحيى بن إبراهيم صاحب سنجار وصاحب الديوان المانشتري كانت قتلتهم ببغداد وممن قتل أيضاً تاج الدين الآوي الشيعي كبير الأشراف وذبح ابناه قبله وكان جباراً ظالماً فرافعوه وأخذ للساوجي أموال عظيمة ويقال أنه غرم على الجامع الذي عمره ببغداد ألف ألف درهم قيل أنه صلى ركعتين وودع أهله وثبت للقتل وخلع فرجية على قاتله فباس يده واستجعل منه في حل ثم طير رأسه سنة إحدى عشرة وسبع مائة محمد بن علي العلامة الغرناطي المالكي المقرئ بالمدينة . توفي سنة خمس عشرة وسبع مائة .
شمس الدين الدهان محمد بن علي بن عمر المازني الدهان الشيخ شمس الدين الدمشقي الشاعر .
كان يعمل صناعة الدهان ويعرف مقامات الحريري وينظم الشعر الرقيق ويدري الموسيقى فيعمل الشعر ويلحنه فيغني به المغنون وكان يلعب بالقانون .
توفي سنة إحدى وعشرين وسبع مائة .
أنشدني من لفظه المولى القاضي شهاب الدين كاتب السر ابن القاضي محيي الدين ابن فضل الله إلى الشمس المذكور يضمن بيت أبي تمام : .
رأيتك أيها الدهان تبغي ... مزيداً في التودد بالمساعي