طوبى لمن لم يبدل دين حبهم ... بل مات وهو إلى الإخلاص منتسب .
لو لم يمت فيهم ما عاش عندهم ... حياته من وفاة الحب تكتسب .
بانوا وفبي الحي ميتٌ ناح بعدهم ... له الحمام وسحت دمعها السحب .
وشق غصن النقا من أجله حزناً ... جيوبه وأديرت حوله العذب .
وشاهد الغيث أنفاساً يصعدها ... فعاد والبرق في أحشائه لهب .
لو أنصفوا وقفوا حفظاً لمهجته ... إن الوقوف على قتلى الهوى قرب .
يا بارق الثغر لو لاحت ثغورهم ... وشمت بارقها ما فاتك الشنب .
ويا حياً جادهم إن لك تكن كلفاً ... ما بال عينيك منها الماء منسبك .
ويا قضيب النقا لو لم تجد خبراً ... عند الصبا منهم ما هزك الطرب .
بالله يا نسمات الريح اين هم ... وهل نأوا أم دموعي دونهم حجب .
بالله لما استقلوا عن ديارهم ... أحنت الدار من شوقٍ أم النجب .
وهل وجدت فؤادي في رحالهم ... فإنه عندهم في بعض ما سلبوا .
نأوا غضاباً وقلبي في إسارهم ... يا ليتهم غصبوا روحي ولا غضبوا .
طوبى لقلبٍ غدا في الركب عندهم ... فإنه عندهم ضيفٌ وهم عرب .
وإن رجعت إليهم فاذكري خبري ... إني شرقت بدمع العين مذ غربوا .
ثم اذكري سفح دمعي في معاهدهم ... لا يذكر السفح إلا حن مغترب .
عساك أن تعطفي نحوي معاطفهم ... فالغصن بالريح ينأى ثم يقترب .
وقلت أنا في هذه المادة وإن لم أسلك الجادة : .
يا جيرةً مذ نأوا قلبي بهم يجب ... ولو قضى ما قضى بعض الذي يجب .
سرتم وقلبي أسير في حمولكم ... فكيف يرجع مضناكم وينقلب .
وأي عيش له يصفو ببعدكم ... والقلب مضطرم الأحشاء مضطرب .
أضرمتم نار أشواقي ببينكم ... فالجسم منسكبٌ والدمع منسكب .
ناحت علي حمامات اللوى ورثت ... ولو رثتني ما في فعلها عجب .
تملي علي من الأوراق ما صنعت ... سجعاً فتهتز من ألحانها القضب .
والغيث لما رأى ما قد منيت به ... فكله مقلٌ بالدمع تنسكب .
بالله يا صاح روحني بذكرهم ... وزد عسى أن يخف الوجد والوصب .
ويا رسولي إليهم صف لهم أرقي ... وإن طرفي لضيف الطيف مرتقب .
واسأل مواهبهم للعين بعض كرىً ... عساي أن يهبوا لي بعض ما نهبوا .
ولطف القول لا تسأم مراجعةً ... واشك الهوى والنوى قد ينجح الطلب .
عرض بذكري فإن قالوا أتعرفه ... فاسال لي الوصل وانكرني إذا غضبوا .
ذكرهم بليالٍ قد مضت بهم ... وهم نجومي بها لا السبعة الشهب .
هم الرضى والمنى والقصد من زمني ... وكل ما أرتجي والسول والأرب .
وهم مرادي على حالي جفاً ووفاً ... وبغيتي إن نأوا عني أو اقتربوا .
هم روح جسمي الذي يحيى لشقوته ... بهم فإن حياتي كلها تعب .
هم نور عيني وإن كانت لبعدهم ... ايام عيشي سوداً كلها عطب .
إن يحضروا فالبكى غطى على بصري ... فهم حضورٌ وفي المعنى هم غيب .
وإن يغيبوا وأهدوا طيفهم كرماً ... فالسهد من دون ما يهدونه حجب .
ولو فرضت انقطاع الدمع لم أرهم ... وصدني عنهم الإجلال والأدب .
فما تملت بهم عيني بل امتلأت ... بأدمعٍ خجلت من سحها السحب .
فلم تترك الترك في شمسٍ ولا قمرٍ ... حسناً لغيرهم يعزى وينتسب .
لكنهم لم يفوا إن عاهدوك على ... ودٍ وما هكذا من فعلها العرب .
خلا الغزال الذي نفسي به ألفت ... فكم له من يدٍ في الفضل تحتسب