الوليد بن طَرِيفٍ الشيباني الشاري أحد الأبطال الشجعان الطُغاة كان رأس الخوارج وكان مقيماً بنَصيبينَ والخابور وتلك النواحي خرج في أيام هارون الرشيد وبَغى وحشد جموعاً كثيرة فنهض إليهم عامل ديار ربيعة فقتلوه وحضروا عبد الملك بن صالح الهاشمي بالرقة فاستشار الرشيد ليحيى بن خالدٍ البرمكي في مَن يُوجِّه إليه فقال له : وجِّه إليه موسى بن خازم التميمي فإنّ فرعونَ اسمه الوليد وموسى غرَّقه فوجهه في جيش كثيفٍ فلاقاه الوليد فهزم أصحابَه وقتله فوجّه إليه معمر بن عيسى العبدي فكانت بينهم وقائع بدارا وزاد ظهور الوليد فأرسل إليه الرشيدُ جيشاً كثيفاً مقدمه أبو خالد يزيد بن مزيد بن زائدة الشيباني وسوف يأتي ذكره إن شاء الله تعالى في مكانه من حرف الياء فجعل يحتاله ويماكره وكانت البرامكة منحرفةً عن يزيد فأغرَوا به الرشيدَ وقالوا : إنه يراعيه من جهة الرَحِم وإلا فشوكة الوليد يسيرةٌ وهو يواعده وينتظر ما يكون من أمره فوجَّه إليه الرشيد كتاب مُغضب وقال : لو وجّهتُ بأحد الخَدم لقام بأكثرَ مما تقوم به ولكنّك مُداهِنٌ متعصب وأمير المؤمنين يقسم بالله تعالى لئن أخرت مناجزة الوليد ليبعثن إليك من يحمل رأسك إلى أمير المؤمنين فلقي الوليد فظهر عليه فقتله وذلك في سنة تسع وسبعين ومائة عشيّة خميس في شهر رمضان وهي واقعة مشهورة وكانت للوليد أُختٌ تسمّى الفارعة وقيل فاطمة تجيد الشعر وتسلُك سبيل الخنساء في مراثيها لأخيها صَخر فرثت أخاها الوليد بقصائد وكان الوليد ينشد يوم المصافّ : .
أنا الوليدُ بنُ طريف الشاري ... قَسوَرَةٌ لا يُصطَلى بناري .
جَورُكمُ أخرجَني من داري .
ولما انكسر جيش الوليد وانهزم تبعه يزيد بن مَزيد بنفسه حتى لحقه على مسافةٍ بعيدةٍ فقتله وحزّ رأسه ولما عَلِمَت أخته لبست عُدّةَ حربها وحملت على جيش يزيد فقال يزيد : دعوها ثم خرج فضرب بالرمح فرسَه وقال : اغرُبي غرب الله عليكِ فقد فضحتِ العشيرةَ فاستحيَت وانصرفت وقالت ترثي أخاها الوليد : .
ذكرتُ الوليدَ وأيّامه ... إذ الأرضُ من شخصِه بلقَعُ .
فأقبلتُ أطلبه في السماء ... كما يبتغي أنفَه الأجدع .
أضاعك قومك فليطلبوا ... إفادةَ مثلِ الذي ضيَّعوا .
لوَ أنّ السيوفَ التي حدُّها ... يُصيبُك تعلم ما تصنَع .
نَبَت عنك إذ جُعِلَت هيبةً ... وخوفاً لصَولِك لا تقطَع .
وقالت فيه أيضاً : .
بِتَلِّ نهاكي رسمُ قبرٍ كأنه ... على جبلٍ فوق الجبالِ مُنِيفِ .
تضمّنَ مجداً عُدمُلياً وسؤدداً ... وهمّة مقدام ورأيَ حصيف .
فيا شجر الخابور مالَكَ مُورِقاً ... كأنك لم تحزن على ابن طريف .
فَتىً لا يحبّ المالَ إلا من التُقَى ... ولا الزادَ إلا من قَناً وسيوف .
ولا الذُّخرَ إلاّ كلّ جَرداءَ صِلدِمٍ ... معاودةً للكرَ بين صُفوف .
كأنك لم تشهد هناك ولم تقم ... مقاماً على الأعداء غيرَ خفيف .
ولم تستلم يوماً لوردِ كريهةٍ ... من السَّردِ في خضراء ذات رفيف .
ولم تسعَ يومَ الحَربِ والحربُ لاقحٌ ... وسُمرُ القَنا تنكزنَها بأُنوف .
حَليفَ النَّدى ما عاش يرضىَ به النَّدى ... فإن ماتَ لا يرضَى النَّدى بحليف .
فَقَدناكَ فُقدانَ الشباب ولَيتنا ... فديناك من دَهمائنا بألوف .
وما زال حتى أزهق الموتُ نفسَه ... شَجىً لِعَدُوٍّ أولجاً لضعيف .
ألا يا لقومي للحمام وللِبلَى ... وللأرض هَمَّت بعدَه برجيف .
ألا يا لقومي للنوائب والرَّدَى ... ودهر مُلحٍّ بالكرامِ عنيف .
وللبدرِ من بين الكواكب إذ هوى ... وللشمس لما أزمععَت بكسوف .
ولليثِ كلّ الليث إذ يحملونه ... إلى حُفرةٍ ملحودةٍ وسقيف