توعّدني وأَجَّلني ثلاثاً ... كما وُعِدَت لمهلِكها ثمودُ .
ثم كتب مروان إلى عامله كتاباً يأمره أن يحدّه ويسجُنه وأوهمه أنه كتب له بجائزة ثم ندم مروان على ما فعل فوجّه عنه سفيراً وقال : إني قد قلتُ شعراً فأسمعه : .
قُل للفرزدق والسَّفاهة كاسِمها ... إن كنت تاركَ ما أمرتُك فاجلِسِ .
ودَعِ المدينةَ إنها محبوبةٌ ... واقصِد لمكّةَ أو لبيت المقدِسِ .
وإن اجتنيتَ من الأمور عظيمةً ... فَخُذَن لِنفسِك بالعظيم الأكيس .
فلما وقف الفرزدق عليها فطِنَ لما أراد مروان فرمى الصحيفة وقال : .
مروان إن مطيتي محبوسة ... ترجو الحباء وربها لم ييأس .
وحبوتني بصحيفة مخبوءة ... يخشى علي بها حباء النقرس .
الق الصحيفة يا فرزدق لا تكن ... نكداً مثل صحيفة المظمس .
وأتى سعيد بن العاص الأموي وعنده الحسن والحسين Bهما وعبد الله بن جعفر فأخبرهم الخبر فأمر له كل واحد بمائة دينارٍ وراحلة وتوجَّه إلى البصرة فقيل لمروان : أخطأتَ فيما فعلتَ فإنك عرّضتَ عرضك لشاعر مُضَرَ فوجَّه إليه رسولاً ومعه مائة دينار وراحلة خوفاً من هجائه . صَعِدَ الوليد بن عبد الملك المنبَر فسمع صوتَ ناقوسٍ فقال : ما هذا ؟ قيل : البِيعة فأمر بهدمها وتولى بعض ذلك بيده فكتب إليه ملك الروم : إن هذه البيعة قد أقرّها من كان قبلك فإن كانوا أصابوا فقد أخطأتَ وإن كنتَ أصبتَ فقد أخطأوا فقال الوليد من يجيبه ؟ فقال الفرزدق : يكتب إليه وداود وسليمان إذا يحكمانِ في الحَرث إذ نَفَشَت فيه غَنَمُ القوم وكُنا لحُكمهم شاهِدين ففهَّمناها سليمانَ وكلاًّ آتيا حكماً وعلماً الآية وكان يقول الفرزدق خير السرقة ما لا يُقطَع فيه يعني بذلك سرقة الشعر ودخل الفرزدق مع فتيانٍ من آل المهلب في بِركة يتبرَّدون فيها ومعهم ابن أبي علقمةَ الماجن فجعل يتلفت إلى الفرزدق ويقول : دَعوني حتى أنكحه فلا يهجونا أبداً وكان الفرزدق من أجبنِ الناس فجعل يستغيث ويقول : ويلكم لا يمسّ جلده جلدي فيبلغ ذلك جريراً فيوجبُ عليّ أنه قد كان منه إليّ الذي يقول فلم يزل يناشدهم حتى كفوه عنه ورَكِب الفرزدق يوماً بغلَته ومَرَّ بِنِسوَةٍ فلمّا حاذاهنّ لم تتمالك البغلة ضرطاً فضحكن منه فالتفت إليهنّ وقال : لا تضحكن فما حملتني أُنثى إلاّ ضرطت فقالت إحداهن فقالت إحداهن : ما حملك أككثر من أمّك فأراها قد قاست منك ضراطاً عظيماً فحرّك بغلتَه وهرب وقال : ما أعياني جوابٌ قطّ كما أعياني جواب دهقانٍ مرَّةً قال لي : أنت الفرزدق الشاعر قلت : نعم قال : إن هجوتني تُخرِب ضيعتي قلت : لا قال فتموت عيشونة ابنتي فقلت لا قال فرجلي إلى عنقي فيحر أُمّك فقلت : ويلك لم تركتَ رأسك ؟ قال : حتى أنظر أيّ شيء تصنع الزانية ولمّا استعمل الحجاج الخيار بن سَبرة المجاشعي على عمان كتب إليه الفرزدق : يستهدي جاريةً فكتب الخيار إليه : .
كتبتَ إليّ تستهدي الجواري ... لقد أنعَظتَ من بلدٍ بعيد .
فلولا أن أُمَّك كان عمَي ... أباها كنتُ أخرس بالنشيدِ .
وسمع الفرزدق رجلاً يقرأ : والسارق والسارقة فاقطَعوا أيديهما جزاءً بما كسبنا نكَالاً من الله والله غفورٌ رحيمٌ فقال : اقطعوا أيديهما والله غفورٌ رحيم أينبغي أن يكون هذا هكذا ؟ فقيل له : إنما عزيزٌ حكيم فقال : هكذا ينبغي أن يكونَ وقال : قد علم الناسُ أني فحلُ الشعراء وربما أتت عليّ الساعةُ أقلع ضرساً من أضراسي أهون عليّ من قولِ بيتٍ وأخبارُ الفرزدق كثيرةٌ مطولة مذكورة في كتاب الأغاني ولمّا توفي الفرزدق رثاه جرير بأبياتٍ منها : .
قد وَلَدت بعد الفرزدق حاملٌ ... ولا ذاتُ بَعلٍ من نِفاسٍ تَعَلَّتِ .
هو الوافد الميمونُ والراتقُ الثَّائي ... إذا النعلُ يوماً بالعشيرة زَلَّت