وكان ابن التلميذ كثير التواضع وأوحد الزمان متكبِّراً فقال البديع الأسطرلابي فيهما : .
أبو الحسن الطبيب ومُقتَفِيه ... أبو البركات في طَرَفَي نقيضِ .
فهذا بالتواضع في الثريا ... وهذا بالتكبّر في الحضيض .
وكان ابن التلميذ حَسَنَ السمت كثير الوقار حتى قيل إنه لم يُسمع منه بدار الخلافة مدةَ ما تردَّد إليها شيءٌ من المجون سوى مرة واحدة بحضرة المقتفي لأنه كان له راتبٌ بدار القوارير ببغداد فقُطع ولم يعلم به الخليفة فاتفق أنه كان عنده يوماً فلما عزم على القيام لم يقدر عليه إلا بكلفة ومشقة من الكِبَر فقال له الخليفة : كبرتَ يا حكيمُ فقال : نعم يا مولانا وتكسّرَت قواريري وأهل بغداد يقولون لمن كبر : تكسرت قواريره فقال الخليفة : هذا الحكيم لم أسمع منه هزلاً قطّ فاكشِفوا قضيتّه فوجدوا راتبه بدار القوارير قد قُطع فتقدم بِردها عليه وزاده إقطاعاً آخر ولمّا توفي لم يبق أحد من الجانبين ببغداد من لم يحضر البيعة وشهد جنازته ومن شعره لغز في الميزان الذي للشمس : .
ما واحدٌ مختلفُ السماءِ ... يعدِلُ في الأرض وفي السّماءِ .
يحكم بالقِسط بلا رِياء ... أعمى يُري الإرشادَ كلَّ رائي .
أخرسَ لا من علةٍ وداء ... يغني عن التصريح بالإيماء .
يجيب إن ناداه ذو امتراء ... بالرفع أو بالخفض في النَّداء .
يُفصِح إن عُلِّق في الهواء .
ومنه في ولده وكان بعيداً عن أبيه في سائر أحواله : .
أشكو إلى الله صاحباً شَكِساً ... تُسعِفُه النفسُ وهو يَعسِفها .
فنحن كالشمس والهلالِ معاً ... تكسبه النُّورَ وهو يَكسِفها .
ومنه : .
يا من رماني عن قَوسِ فُرقَتِه ... بِسَهمِ هَجرٍ غلا تَلافِيهِ .
إرضَ لمن غاب عنك غيبتَهُ ... فذَاكَ ذَنبٌ عِقابه فيه .
وذكر العماد الكاتب في الخريدة البيت الثاني منسوباً إلى أبي محمد ابن جَكِّينا وضمّ إليه بعده : .
لو لَم يَنَله من العِقاب سوى ... بُعدك عنه لكان يكفيه .
وأورد الحظيري في زينة الدهر لابن التلميذ : .
عاتبتُ إذ لم يَزُرخيالُك والن ... ومُ بشوقي إليك مسلوبُ .
فزارني مُنعِماً وعاتبني ... كما يقال المنام مَقلوب .
ومن شعر ابن التلميذ : .
بُلَهِنَةُ الشبيبةِ سَكرةً ... فَصَحَوتُ واستأنفتُ سِيرةَ مُجمِلِ .
وقعدتُ أنتظر الفناءَ كراكبٍ ... عَرَفَ المحلَّ فنام دُونَ المَنزِل .
وذكر أن أبا محمد بن جكينا مرض فقصده ليعالجه فلمّا عُوفِيَ أعطاه دراهم فقال فيه : .
جادَ واستنفّ المريضَ وقد كا ... د ضَنىً أن يلُفَّ ساقاً بساق .
والذي يَدفع المنونَ عن النف ... س جديرٌ بِقسمةِ الأرزاق .
وقصده مرّة أن يَعبُرَ إليه دجلة ليداويَهُ فكتب إليه : .
إنّ امرؤ القيس الذي ... هام بذات المحمل .
كان شفاه عَبرةٌ ... وعَبرةٌ تصلُح لي .
وكان ابن جكينا قد عمِي في آخر عمره وجرت بينهما منافرة في أمر واشتهى مصالحته فكتب إليه : .
وإذا شِئتَ أن تصالح بشّا ... ر بن بُردٍ فاطرَح عليه أباهُ .
فسيّر إليه بُرداً وله معه وقائع وحكايات وبين ابن التلميذ مُجاراتٌ ومُحاوراتٌ ومن شعره ابن التلميذ : .
جُودُه كالطبيب فينا يداوي ... سوءَ أحوالنا بحسنِ الصنيعِ .
فهو كالمومِيا إذا انكسر العَظ ... مُ ومِثل التِرياق للملسوع .
وقال في ولده سعيد : .
حُبي سعيدا جوهرٌ ثابتٌ ... وحُبُّه لي عَرَض زائلُ .
به جهاتي الستُّ مشغولةٌ ... وهو إلى غيري بها مائل .
وقال أيضاً : .
تقسَّم قلبي في محبة معشرٍ ... بكل فتىً منهم هَوايَ منوطُ .
كأنّ فؤادي مركزٌ وهمُ له ... مُحيطٌ وأهوائي إليه خطوط .
وكان دائماً يؤنّب ولده بهذا البيت .
والوقتُ أنفَسُ ما عيِنتُ به ... وأراه أشهَلُ ما عليكَ يَضِيع .
ويقال إن البيتين قبل هذا لأبي علي المهندس المصري وقال ابن التلميذ :