ولقد جرت منها الدِّما ... ء كأننّي منها طَعينُ .
وفي قولك : .
ويقول دمعُك لم يَدَع بَصَراً ... أسَمِعتَ قَطُّ لعاشقٍ ببَصَر .
وفي قولك : .
وإن بكَيتُ فنّكِّب عن مجاورتي ... واحذَر وإياك من طُوفان أجفاني .
ويعوذ المملوك بالله من فأل الشعر فَوحَيات مولانا لقد جرت من أجفان المملوك دموع تكون كالطُوفان بالنِسبة إلى الإنسان ولقد فاضت إلى أن كادت مياهُهَا تُغرقه ونيرانها تحرقهولقد شرقَت به مما تشرقه ولقد ضاق بها منزله إلى أن قال ما قاله الشاعر : .
بكى الناس أطلالَ الديار وليتني ... وجدتُ دياراً للدموعِ السواكبِ .
ولقد نَدَب مُقلتَه وبكاها وتوجَّعَ لها ورثاها وقال لها ما قاله ذلك المتأخّر المحسن : .
يا عينُ والعاشقون قد عشِقوا ... ولا كما ضاع جفنك الغَرَقُ .
تحظَى بطيف الكَرَى والعيونُ وما ... طَيفُك إلاّ الدموع والأَرَق .
وهي دموع لو تقاسَمها العُشَّاقُ الذين نَزَحَت دموعُهم ويبِست عيونُهم وجفَّت جفونُهم لكانت تكفيهم وتَفضل عنهم وتفيض من أيديهم ويقضون بها حقوق الغُيّاب ويُروُون بها ديار الأحباب ولكان القائل : .
وما متعوني بالبُكاء عليهم ... ولكن تَولَّوا بالدموع وبالصبر .
قد تَمتَّع باّحدِ مَطلبيَه ووجد الأيام قد رَدَّت عليه أحد غائبيه ولو أدركها القائل : .
أرأيتَ عيناً للبُكاء تَعارُ .
لقال المملوك له : نعم هذه عينٌ خذها عاريةً وأقبلها هديةً وأمّا القائل : .
أفنيتم دمعي مقيمين ... يا لَهفي بما أُبكيِكم ظاعنين .
فلو وجدها لوَجَد ما يبكي به عليهم أقاموا أو ظعنوا وأساءوا أو أحسنوا على أنها واللهِ ما هي من الدموع التي تُنفِّس من الخناق ولا تُخفِّف عن الآماق ولا يرغَبُ في مثلها العشاق ولا هي كما قيل حزنٌ محلولٌ على الخدين ولا ثقل موضوعٌ عن العين بل دموعٌ تزيد الكرب ولا تُزيله وتَعقُد الهمَّ ولا تُحيلُه وتقتل الأهداب بتدبيقها وتقييد الأجفان بتلثيقها وتغلظ العَذاب بغليظها وترقّق قلبَ الحَسود برقيقها ولو أطال المملوك وقال ووسّع المقال واستنحى الألسنةَ واستنجدها في وصف ما كان عليه من سوء الحال لَقَصَر وقصّر كل لسان وأقام الخبر عنها مقام العِيان والجملة الملخَّصة أن عينَه كانت تَجَرُّ من وجهه بحبلٍ من مَسَد وتُنخَس بأسنّة الأَسَل وتُجذَب بمخالب الأسد وممّا جعل الأمرَ قطّ على عينه ولا عبر على جفنه ولا مر على طَرفه ولا أنسَت مقلتُه قط بالوَهج الناري ولا تبرَّحت في الثوبِ الجُلَّناري ولا قَذَيت قط إلا بالنظر إلى ثقيل ولا جرَت دَمعتُها إلا على فِراق خليل ولا سَخَنت إلا يوم سَفَرٍ لمولانا وساعة رحيل ولا رابَهُ بصرُه قط بعد صِحَّة ولا خانَهُ في لَمحَة ولا كان يكذبه في الأشياء بعُدَت عنه أو قرُبت منه بل يَنقُلها إليه على ما هي عليه لكن ربّما أراه النجومَ نهاراً والأهلِه أقماراً وأبدى له خطوطَ الأحزاز كأنها خطوط الغُمَر وجلا عليه السُّهى في قَد الشمس لبا قَدّ القمر ولقد كان واثقاً الجديد ةنظره الحديد كثِقتِه بالتوحيد يوم الوعيد : .
ما أعجَبُ الشيء ترجوه فتُحرُمه ... قد كنت أَحسِب أَنيّ قد ملأتُ يدي