نعمان بن ميمون الخولاني قال ابن رشيق في الأنموذج كان اسمه في صغره مُعانداً غير أن هذا الإسم غلب عليه فعُرف به وهو شاعر ماهر صاحب قوافٍ سرده ولغة عويصة إذا شاء وله قُدرةٌ على الكلام يأخذ من رقيقه وجَزله ويسلك في حَزنه وسهله مع حفظ للغة العرب ومعرفة بفصول الشعر وإنتقاده وله في ذلك تأليف مشهور على ابن مُغيث في نقد كتابه الموسوم بالميلَق وشعره في أيدي الناس قليل لقلّة مدحه وهجائه وانقطاعه إلى طَلَب الدنيا من غير باب الأدب ومن شعره : .
نُبئتُ أنك مَولى لا يواصلني ... وقد رُميتُ بِهجرٍ منك قد حَدَثا .
فلا تَفِي النَذر مَن آلَى بمعصية ... هذي مقالةُ مَن بالحق قد بُعِثا .
واحنَث فحِنثك وَصلي وهو يُعتِقُني ... والعِتقُ غايةُ تكفيرٍ لمن حَنِثا .
وإن تحرَّجتَ من إثمٍ وخِفتَ له ... فأعظمُ الإثمِ قَتلي في الهوى عبثا .
ومنه .
أحاشيك إشفاقاً من البوح بالهوى ... فيا ذُلَّ إشفاقي لعزّ وصالِكا .
ولم أخفه صَونا لقَدري وإنما ... رََايتُ اشتهاري نقصاً لحالكا .
فها أنا منهوك التصبُّر حائرٌ ... كأني غريبٌ قد أضلّ المسالكا .
أُصرِّفُ أفكاري لِوجدان راحةٍ ... وما لي بها إلا قليلُ نواِلكا .
على أن حظّي الستر في ذاك كلّه ... لنفسك لكن لم تُجاز بذالكا .
ومنه : .
وأشدُّ المُصاب أنك تَنوي ... صَفوَ وُدٍّ لمن يَرَى لك غِشا .
ومُذيعٍ كأنّما عنده الس ... رّ قروحٌ مُناه أن تَتَفَشّا .
ومشيرٍ كأنّه حاكم في ... ك مجازٍ بوابلٍ منك طَشّا .
ومنه : .
نزل الظَلامُ بعارضيه فانبرى ... نور السُلوّ على فؤادٍ يَنزِل .
فاعجَب لصُبح يهتدي قلبي به ... لرَشاده والأصلُ ليلٌ اليَلُ .
ومنه أيضاً : .
فالليلُ ألبَسَنا الحِدادَ وسِرَّنا ... والصبحُ ألبسنا البياضَ وساء .
قال ابن رشيق : وقد احتذيتُ مثال هذا المعنى فقلت وزدت تَشبيهاً في البيت الثاني : .
سُرِرتُ بليلٍ كالحِداد لبسته ... وساءك صبحٌ كالرِّداء المصَبّغ .
وما ذاك إلاّ للشباب وحُبِّه ... وكره مشِيبٍ ناضلٍ ومثمغ .
وضع نعمان أبياتاً على لسان عبد الله بن فَلاّح الخواتمي يتهكم به فقال : .
الحبّ كِيرٌ على قلبي بحالته ... والعَذلُ مِنفاخُه والشوقُ نيرانُ .
ولم يُبَقِّ الضَنى مما سبكتُ به ... ما يبتغي أخذَه بالشّفت إنسان .
وجُلّ ما أشتكي شوقي لفم فَتىً ... كأنّه خاتمٌ والجسم عِقبان .
أشتاقه فإذا ما رُمتُ أبصُره ... أعشى كأنّي امرؤٌ يُغشاه دُخان .
وأحسِب القلبَ مني تَحت مِطرَقةٍ ... وتحته للمعيد الضرب سِندان .
أبو حنيفة قاضي المعزّ .
النُّعمان بن محمد بن منصور أبو حنيفة المغربي قال المُسَبِّحي في تاريخ مصر : كان من أهل الدين والفقه والنبل وله كتاب في أصول المذهب وقال غيره : كان المتخلف مالكياً ثم إنه تحول إلى مذهب الشيعة لأجل الرياسة وداخَلَ بني عُبيد وصنّف لهم كتاب ابتداء الدعوة وكتاباً في الفقه وكُتُباً كثيرة في أقوال القوم وجمع في المناقب والمثالب ورد على الأئمة وتصانيفه تدّل على زَندَقَتِه وأنه نافقَ وله " دعائم الإسلام " ثلاثون مجلَّداً في مذهب القوم و " منهاج شرح الآثار " خمسون مجلداً وغير ذلك وجاء إليه مغربيّ وقال : قد عزمتُ على الدخول في الدعوة فقال : ما حملك على هذا ؟ قال : الذي حمل سيّدنا فقال : نحن أدخلنا في هواهم حلواهم فأنت لماذا تفعل ؟ وله القصيدة الفقهية لقبّها بالمنخبة وصنف ردّاً على أبي حنيفة ومالك والشافعي وابن سُريج وكان من الفضل والعلم والعربية بمحل عالٍ ولازم صحبة المعز ودخل معه الديار المصرية ولم تطل مدته ومات في رجب سنة ثلاث وستين وثلاثمائة بمصر وصلى عليه المعزّ .
الإصبهاني