فقال عمر : لا ارى معي في المدينة رجلاً تهتف به العواتق في خدورها عليّ بنصر بن حجّاج فأتى به فإذا هو أحسن الناس وجهاً وأحسنهم شَعَراً فقال عمر Bه : عزيمة من أمير المؤمنين ليأخذن من شعرك فأخذ من شعره فخرج له وجنتان كأنهما شقتا قمر فقال : اعتمّ فاعتمّ ففتن الناس بعينه فقال عمر Bه : واللهِ لا تُساكني ببلدة أنا فيها قال : يا أمير المؤمنين ما ذنبي ؟ قال : هو ما أقول لك وسيره إلى البصرة فسار إليها ونزل على مجاشع بن مسعود فعشق امرأته شُمَيلَة . وكان مجاشع أُمياً ونصر وشميلة كاتبين فكتب نصر على الأرض بحضرة مجاشع : إني قد أحببتُك حباً لو كان فوقِك لأظلَّك ولو كان تحتك لأقلِّكِِ فكتبت شميلة : وأنا فقال مجاشع : ماكتبتِ وكتب ؟ فقالت : كتب كم تحلُب ناقتكم وتُغِل أرضكم فكتبتُ وأنا فقال : ما هذا ؟ لذاك بطبقٍ وكفأ على الكتابة جفنه وأتى بمن قرأها فقال لنصرٍ : ما سيرّك عمر لخيرٍ قم فإن وراءك أوسعُ لك فنهض خجلاً إلى منزل السُّليميين فَضَنِيَ من حب شميلة فبلغ مجاشعاً فعاده فوجدَهُ بالياًلما به فقال لشميلة : قومي إليه فمرّضيه ففعلت وضمته إلى صدرها فعادت قواه فقال بعض العُواد : قاتل الله الأعشى كأنه شهد أمرهما فقال : .
لو أسندَت مَيتاً إلى صدرها ... عاد ولم يُنقَل إلى قابرِ .
فلما فارقته عاد إلى مرضه ولم يزل يتردَّد فيه حتى مات فقال أهل البصرة : أدنَفُ من المتمنى فذهبت مثلاً وقيل إنه بقي إلى أن مات عمر Bه وركب راحلته وأتى المدينة والله أعلم وكتب نصرٌ إلى عمر بعد حَولٍ : .
لعمري لئن سَيرتَني وإن حُرمَتي ... وما نِلتُ ذنباً إن ذا لَحَرام .
وما نلتُ ذنباً غير ظنٍّ ظننتُه ... فذاك وفي بعض الظنون إثام .
أإن غنتِ الحوّاءُ ليلاً بِمُنيةٍ ... وبعضُ أمانِيِّ النساءِ عُرام .
حققتَ بيَ الظنَّ الذي ليس بعده ... بقاءٌ فما لي في النديِّ كلام .
فأصبحتُ مَنفِياً على غير ريبةٍ ... وقد كان لي بالمكّتّين مقام .
ويمنَعُني مما تظنُّ تكّرُّمي ... وآباءُ صِدقٍ سالفون كرام .
ويمنعها مما ظننتَ صلاتُها ... وفضلٌ لها في قومها وصِيام .
فهاتان حالانا فهل أنتَ راجعي ... وقد خُبَّ مني غاربٌ وسَنام .
وقالت المرأة : .
قُل للإمامِ الذي تُخشى بوادُره ... ما لِيَ للخمر أو نصر بن حجاجِ .
إني عَنيتُ أبا حفصٍ بغيرهما ... شُربَ الحليب وطَرفٍ فاترٍ ساج .
إن الهوى زمَّه التقوَى فجسَّه ... حتى أقرَّ بالجام واسراج .
ما منية لم أرب فيها بضائرة ... والناس من هالك فيها ومن ناج .
لا تجعل الظنَّ حقاً أن تبَيَنَه ... إن السبيل سبيلُ الخائف الراجي .
نصر بن الحسن التُنكُتي .
نصر بن الحسن بن القاسمِ بن الفاضل أبو الليث وأبو الفتح التركي التُنكُتي بالتاء ثالثة الحروف والنون والكاف والتاء ثالثة الحروف الشاشي نزيل سَمَرقَند وتُنكُت بَلدٌ عند الشاش رحل في كِبَره وسمع صحيح مسلم بنيسابور من عبد الغافر وحدث وروى عنه جماعةٌ وتوفي سنة ست وثمانين وأربعمائة .
النُميري الشاعر .
نصر بن الحسن بن جَوشَنَ بن منصور بن حُمَيدٍ يتصل بمضرِ بن نزار بن معد بن عدنان أبو المرهف النميري الضرير الشاعر قدم بغداد وسكنها إلى حين وفاته سنة ثمان وثمانين وخمسمائة وحفظ القرآن المَجيد وتفقه لابن حنبل وسمع من القاضي أبي بكر محمد بن عبدِ الباقي الأنصاري وأبي البركات عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي وأبي الفضل محمد بن ناصرٍ وغيرهم وقرأ الأدب على أبي منصور الجواليقي ومدح الخلفاءَ والأكابر وحدّث وكان زاهداً وَرِعاً وكان كثير الانقطاع إلى الوزير ابن هُبيرة ومن شعره : .
تُرى يتألفُ الشَّملُ الصَّديعُ ... وآمَنُ من زماني ما يَروعُ .
وتُأنَسُ بعد وحشتنا بنَجدٍ ... منازلُنا القديمةُ والربوع .
ذكرتُ بأيمن العَلَمينِ عصراً ... مَضَى والشَّملُ ملتئم جميع