فلما كان في آخر يوم من الأجل ولم يأته عن ابنه خبر أتى سعيد بن العاص فأخبره خبره فقال سعيد : إن أحببت أن أتولى المال ودفعه واكتتاب البراءة لك بذلك فعلت وإن شئت حمل إليك فجزاه خيراً وانصرف .
فلما كان ببعض الطريق ذكر قيس بن سعد بن عبادة فقال : قيس سيد هذا الحرم من ذي يمن وقد ابتليت بما علم فجاء إليه وأخبره خبره فقال قيس : أمسيت عن حاجتك وهي مصبحتك غداً إلى منزلك وإن أحببت ولينا حملها عنك إلى مروان .
فانصرف كثير حتى إذا أخذ بحلقة باب داره ذكر عبد الله بن جعفر فقال : ما فيهم أحد اشد إكراماً لي منه فدخل عليه وهو يتعشى فأخبره خبره فالتفت إلى هانئ وكيله وقال : ما عندك ؟ قال : مائة ألف درهم . قال : ما جاء من شيء نصفه إلا تم بإذن الله ثم نظر في وجوه جلسائه ومعه رجل من بني الأرقط ومن ولد علي فضحك قال : هي عندي قال : من أين هي لك ؟ قالك من فضول صلاتك .
فانصرف كثير إلى منزله فبات آمناً وأمن نساؤه . فلما كان في السحر قدم ابنه الزبير بكتاب معاوية أن لا يعرض له وكتب له البراءة فأصبح غادياً إلى مروان فدفع كتبه إليه ومضى إلى سعيد بن العاص فإذا البدر على ظهر الطريق .
فلما نظر إليه قال : أحوجنا أبا الزبير إلى الغدو قال : ما لذلك جئت وأخبره الخبر وجئت لأسرك وأشكرك فقال : أتراني راجعاً في شيء أمرت لك به ؟ فرجع والمال معه .
فأتى قيس بن سعد فإذا المال مجموع فأخبره الخبر فقال : أفأرده يا أبا الزبير في مالي وقد أمرت لك به ؟ أحملها يا غلام معه ثم أتى عبد الرحمن بن جعفر فأخبره الخبر فقال : ما كنت لرجع في شيء أمرت لك به فقال : أما ما كان من عندك فنعم وأما ما استقرضته فلا . فقال : أنا على قضاء الديون أقوى منك ولك خروق فارقعها به فانصرف به .
وكان مثلاً في المدينة وتوفي في حدود الثمانين للهجرة وروى له النسائي روى هم عن أبي بكر وعمر وعثمان وزيد بن ثابت .
ابن الغريرة .
كثير بن الغريرة التميمي أحد بني نهشل والغريرة أمه : شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام وقال الشعر فيهما .
لما بعث عمر بن الخطاب الأقرع بن حابس وأخاه على جيش إلى الطالقان فأصيب من أصحاب ابن الغريرة جماعة فقال ابن الغريرة يرثيهم ويذكر ذلك اليوم : .
سقى مزن السحاب إذا استهلت ... مصارع فيتةٍ بالجوزجان .
إلى القصرين من رستاق خوطٍ ... أبادهم هناك الأقراعان .
وما بي أن أكون جزعت إلا ... حنين القلب للبرق اليماني .
ومحبورٍ بأوبتنا يرجي الل ... قاء ولن أراه ولن يراني .
ورب أخٍ أصاب الموت قبلي ... بكيت ولو نعيت له بكاني .
دعاني دعوة والخيل تردي ... فما أدري أباسمي أم كناني .
فكان إجابتي إياه أني ... عطفت عليه خوار العنان .
واي فتى دعوت وقد تولت ... بهن الخيل ذات العنظوان .
فإن أهلك فلم أك ذا صدوفٍ ... عن الأقران في الحرب العوان .
ولم أدلج لطرق عرس جاري ... ولم أحمل على قومي لساني .
ولكني إذا ما هايجوني ... منيع الجار مرتفع المباني .
أكارم من يكارمني بمالي ... وأرعى ذا القرابة إن رعاني .
ويكرمني إذا استبسلت قرني ... واقضي واحداً ما قد قضاني .
فلا تستبعدوا يومي قفإني ... سأوشك مرة أن تفقداني .
ويدركني الذي لا بد منه ... وإن أشفقت م من خوف الجنان .
وتبكيني نوائح معولاتٌ ... نزلن بدار معولة الزمان .
حبائس بالعراق منهنهاتٌ ... سواجي الطرف كالبقر الهجان .
أعاذلتي من لومٍ دعاني ... وللرشد المبين فاهدياني .
فرد الموت عني إن أتاني ... ولا وأبيكما ما تفعلان .
الحمصي الإمام .
كثير بن عبيد الإمام أبو الحسن المذحجي الحمصي الحذاء المقري : إمام جامع حمص ستين سنة . كان سيداً عارفاً خائفاً قانتاً .
روى عنه أبو داود والنسائي وابن ماجة ووثقه أبو حاتم وغيره . يقال عنه : إنه إمام أهل حمص ستين سنة فما سها في صلاة قط .
توفي سنة ستين ومائتين