ولما أمسك الأمير سيف الدين تنكز طلب هو إلى مصر فتوجه إليها وأقام باب السلطان حاجباً وشنع الناس ورمي بأنه هو الذي نم على تنكز وعمل عليه في الباطن إلى أن أمسك فنفرت قلوب مماليك السلطان منه وأبغضه الأمراء فطلب في أول دولة الصالح إسماعيل الخروج إلى دمشق فحر إليها أميراً ثم رسم له بنيابة قلعة صفد فباشرها على أحسن ما يكون وبالغ في عمارتها ورم ما تشعث منها واجتهد في ذلك .
ثم إن الأمير سيف الدين الملك نائب صفد لما امسك في أيام الكامل شعبان شنع بالناس أن الأمير سيف الدين قرمشي هو الذي نم عليه وكتب إلى مصر في السر يقول : إنه قد عزم على ان يهرب فجددت هذه المرة عليه ما كان كامناً في نفوس المراء منه .
ولما برز الأمبر سيف الدين يلبغا نائب دمشق إلى الجسورة واجتمع عليه العساكر طلبه ليحضر إليه فوعده بذلك ولم يحضر .
واتفق أن وردت إليه كتب الملك الكامل في الباطن فجزها هو من جهته إلى أمراء الشام وغيرهم وأمسك قصاده بالكتب فحرك ذلك عليه ساكناً عظيماً .
ولما استقر السلطان الملك المظفر حاجي في الملك جهز الأمير سيف الدين يلبغا النائب إلى سيف الدين قرمشي فأحضره على البردي وأودع الاعتقال في قلعة دمشق هو وأولاده وجماعة من أهله فأقام بها كذلك قريباً من شهر أو أكثر ثم أفرج عن أولاده وجماعته وكان ذلك آخر العهد به في شعبان سنة سبع وأربعين وسبعمائة C تعالى وعفا عنه .
ولما كنت بالديار المصرية كتبت له مرسوماً بنيابة قلعة صفد ارتجالاً وهو : الحمد لله الذي نصر هذا الدين بسيفه المضر الشبا وأيده بخير ولي تقصر عن بأسه سمر القنا وبيض الظبا وحصن معاقله بكفؤ تأرج عنه الثناء وطاب البنا وحمى سرحه بفارس إذا أظلم العجاج اطلع في دجاه من سنانه اللامع كوكباً نحمده على نعمه التي لا يداني جودها غمام ولا يقارب حسن مواقعها تبسم زهر من ثغر كمام ولا يجاري سراها برق تسرع جواده في ميدان ظلام ولا يحاكي تواخيها ازدواج لآلئ تألفت حباه في النظام ونشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له شهادة رقم الإيمان برودها وحتم البرهان وجودها وحسم الإدمان عنودها ونظم الإيمان عقودها .
ونشهد بان سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي تثنى الخطار من بأسه طرباً وضحك البار في يمينه الشريفة عجباً وولى الأدبار عدو الدين ممنعاً هرباً وباد الكفار من حزبه لما ذاقوا ويلاً وحرباً صلى الله عليه وعلى آله الذين سادوا النام وجادوا بما فاق الغمام وعادوا بفضلهم على أولي الفاقة والإعدام وحادوا عن طرق الضلال والظلام صلاة دائمة السنا قائمة بنيل المراد والمنى ما ابتسم في الروض ثغر أقاح وفتق غمة الظلام شفرة صباح وسلم سلاماً كثيراً .
وبعد .
فإن ثغر صفد المحروسة من الحصون المشيدة والمعاقل الفريدة قد طاولت النجوم شرفاته وعلت على الغيوم غرفاته وتلهبت ذبالة الشمس في سراجه ونفض الأصيل زعفرانه على بياض أبراجه كم لاثت الغمائم على هامته عمائم وكم لبست أنامل بروجه من الأهلة خواتم والنيابة فيه منصف شريف وفضل على الكواكب ينيف وكان المجلس السامي الأميري السيفي فلان ممن جمل الدول وفاز بالقرب من الملوك الأول ونصح والدنا الشهيد فادى من حقه واجباه واجتهد في رضاه فكان له عينا ًوحاجباً وآثر عوده إلى وطنه فنولناه مرامه واجتنبنا قصده الذي أحكم نظامه رغبة في الانجماع والعزلة عن الناس وطلباً في الانفراد والخلوة وما في ذلك من بأس فلذلك رسم بالأمر الشريف السلطاني الملكي الصالحي العمادي - أعلاه الله وشرفه - ان يستقر في النيابة بقلعة صفد المحروسة على أجمل العوائد وأكمل القواعد