فأتى مرة إلى حلب وقراسنقر في نيابته وجماعة الدواوين عنده فلما لم يخف عليه حمقه فقال : ما هذا إلا أحمق فقيل له : يا خوند هذا الصاحب شمس الدين وحدثوه حديثه فطلبه إلى بين يديه ومزح معه فعز عليه واغتاظ وحنق فأمر به فضرب على أكتافه وأخرق به وأهانه فمل ابن السلعوس حقدها عليه إلى أن دارت له الدائرة .
ولما عزل قراسنقر عن حلب نقل إلى الأمراء بمصر فأراد مقابلة ابن السلعوس وكان رجلاً داهية .
حكى لي القاضي معين الدين ابن العجمي وهو ممن كان خصيصاً به قال : لم استقر نقل قراسنقر إلى أمراء مصر تقرب إلى الملك الأشرف وإلى خواصه بكل نفيس إلى أن ندم الملك الأشرف على عزله وقال له هذا : الساعة حلب قد انفصل أمرها وأنت عندنا عزيز كريم فمهما كان لك حاجة عرفنا بها فقبل الأرض وقال : نظرة واحدة من وجه السلطان أحب إلي من حلب وما فيها وإنما أسأل الصدقات الشريفة أن أكون أمير جاندار .
فقال له الملك الأشرف : بسم الله فقبل الأرض وقال : والله يا خوند ما لي غرض غير نظر الوجه الكريم ولا طلبت هذه الوظيفة إلا حتى أكون أهين ذلك الرجل إذا جاء أقول له : يتصدق مولانا ويقعد فإن مولانا السلطان في هذا الوقت مشغول يعني ابن السلعوس .
فضحك الملك الأشرف ومزح معه في هذا وقال له : هذا بس ؟ قال : والله يا خوند يكفيني هذا وهذا ما هو قليل . واستمر أمير جاندار .
وكان كثيراً ما يجيء ابن السلعوس فيقوم يقف له قراسنقر ويخدمه ويقول : يا مولانا كان السلطان الساعة مشغول فيتصدق مولانا ويقعد وابن السلعوس يتلظى عليه وقراسنقر عمال عليه ودأبه إغراء الملك الأشرف به وبأمثاله من الأمراء الكبار إلى أن اتفقوا وفعلوا تلك الفعلة .
حكى لي اينبك مملوك بيسري قال : لما خرجنا مع الملك الأشرف إلى جهة تروجة قدم للملك الأشرف لبن ورقاق وهو سائر فنزل يأكل .
وكان أستاذي بيسري ولاجين وقراسنقر قد نزلوا جملة على جنب الطريق فبعث الملك الأشرف إليهم بقصعة من ذلك اللبن وقد سمها فقال بيسري : فؤادي يمغسني ما اقدر آكل لبناً على الريق فقال لاجين : أنا صايم فقال قراسنقر : دس الله هذا اللبن في كذا وكذا ممن بعثه نحن ما نأكله ثم أخذ منه وأطعم كلباً كان هناك فمات لوقته فقال : ابصروا ايش كان يريد يزقمنا .
ثم قاموا على كلمة واحدة واتفاق واحد في نجاز ما كانوا بنوا عليه وكان لهم مدة في العمل على قتل الملك الأشرف وابن السلعوس إلى أن كان ما كان . انتهى .
ولما قتل الملك الأشرف لم يباشره قراسنقر بيده بل كان مع المباشرين له ونزل إليه ونزع خاتمه وحياصته بيده وفعل به بعد موته ما تقتضيه شماتة المشتفي واختفى هو ولاجين في بيت كتبغا وكان ينادى عليهما ويتطلبهما وهما عنده والناس ما يخفى عليهم هذا وما يجسر أحد يتكلم لأن كتبغا كان هو السلطان القائم في الحقيقة .
ثم إنه أخرجهما لما تسلطن وأمرهما وعظم شأنهما وكبرهما .
ثم ناب قراسنقر للاجين لما تسلطن النيابة العامة وأورد الأمور وأصدرها واعتقله واستناب منكودمر عوضه .
حكى لي قيصر الشرفي مملوك عمي شرف الدين قال : لما اسمك لاجين قراسنقر طلب أستاذي - يعني عمي - في شغل عرض له فلم يدخل وكانت له منه المكانة المعروفة فطلبه يدخل فطلبه ولز في طلبه فلما دخل قال له : طلبناك مرتين ثلاثة وأنت ما تجيء فقال : كيف أجيء وقد عملت مع قراسنقر ما عملت بعد أن كنتما مثل الروحين في الجسد وأمس .
كما خلصتما من تلك الشدة التي كنتما فيها وظهرتما من الاختفاء وما هكذا الناس .
فقال له : يا أخي اعذرني هذا والله لو خليته روح روحي وأنا قد حبسته وما آذيه .
فقال له : الله ما تؤذيه فقال : آلله ما أؤذيه . فقال : ارسم لي لروح غليه وأطيب قلبه وأعرفه بهذا فقال : رح إليه وعرفه فراح غليه وعرفه بهذا وبكى وحلف : أنني ما كنت أموت وأعيش إلا معه وإن وإن فجاء إلى لاجين وعرفه وقال له : يا خوند أنت قد قلت والله ما آذيه وأنت ممن يوثق بيمينه ولا يشك في دينه فقال : يا شرف الدين وأزيدك هات المصحف فجاءوا بالمصحف فقال له : حلفني عليه أنني ما آذي قراسنقر في نفسه ولا أمكن من يؤذيه فيها .
فعاد القاضي شرف الدين إليه وعرفه بذلك فقال : الساعة يا شرف الدين طاب الحبس جزاك الله الخير