ثم إنهم حملوها حتى رموها بين يدي غازان وقد امتلأ قلبه تعظيماً لهما فلما رأى رميهم المتوارد على مكان واحد في كل رمية حتى يتلاقى النشاب بالنشاب ويتقصف زاد في توقيرهم في صدره وقال : إلي قبجق بك . ثم لبسه تبعاً له كان على رأسه ولبس صهره تكلأ كان عليه ثم أصغى إلى كلامهم فحدثوه في أخذ الشام .
واتفق أن الملك المظفر صاحب ماردين كان قد تحدث في هذا للإغارة التي شملت بلاده فخرج محمود غازان بهم حتى أتى بلاد حمص وكان الملك قد آل إلى الملك الناصر وقد خرج للملتقى .
حكى والدي قال : قال لي قبجق بعد عوده : لما تلاقينا نحن وأنتم تتعتع جيشنا فهم غازان بالرجوع وطلبني ليضرب عنقي قبل أن نرجع لكون خروجه كان برأيي قال : ففطنت لذلك فلما صرت بين يديه قال : أيش هذا ؟ فضربت جوكاً له ثم قلت له : أنا أخبر بأصحابنا وهم لهم فرد حملة فالقان يبصر ويصبر كيف ما يبقى قدامه أحد منهم .
وكان الأمر كما قلت وخلصت من يده فلما انكسر ثم أراد أن يسوق عليكم فعلمت أنه متى ساق عليكم ما يبقى منكم أحد فقلت : القان يصبر فإن هؤلاء أصحابنا خباث وربما يكون لهم كمين وقد انهزموا مكيدة حتى نسوق خلفهم فيردوا علينا ويطلع الكمين وراءنا فوقف حتى أبعدتم فولا أنا ما قتل منكم أحد ولولا أنا ما بقي منكم أحد .
قلت : ثم لما جاء غازان إلى دمشق ونزل بتل راهط جعل لقبجق الحكم بدمشق وكان فيه مغلوباً مع التتار لا يسمع منه ومع هذا كان يدياري ويدافع عن المسلمين بجهده ويباطن أرجواش في عدم تسليم القلعة .
فلما عزم غازان على العود جعل إليه نيابة الشام ولبكتمر السلحدار نيابة حلب ولألبكي نيابة السواحل كلها .
ووقفت على نسخ تقاليد كتبت لهم على مصطلح ملوكنا كتبت بخط جمال الدين ابن المكرم وكتب لقبجق فيها الجناب العالي وجعل زكرياء بن الجلال وزيراً بالشام وحلب والسواحل ولاية عامة يتحدث في الأموال .
وترك بولاي بجانب من العسكر ليكون ردءاً لهؤلاء النواب إلى أن يستخدموا لهم جنداً .
ثم لما بنت ببولاي الدار شرع قبجق بمراسلة المصريين وجهز عز الدين ابن القلانسي والشريف زين الدين النقيب رسلاً منه إليهم واستعان بكتب كتبها محمد بن عيسى إلى الأمراء بسببه .
فأما سلار فلان له جانبه وأما بيبرس الجاشنكير فخشن عليه ثم غلب عليه رأي سلار والأمراء الأكابر وقالوا : لو لم يكن إلا لأجل محمد بن عيسى فإنه بالغ في أمره وقام معه هذا القيام الذي ما بقي يمكن أنه يتخلى عنه بعده .
فإن لم تأووه أنتم آووه هم وأخذوا وجهاً عند غازان وقالوا : عملنا هذا لأجلك فأجمعوا على صلحه ثم جعلوا مقامه بالشوبك لخاصة مماليكه على رزق جند عين له .
ودام على هذا حتى كانت الوقعة الثانية نوبة مرج الصفر فحضر وشهد يومها بمماليكه وأبلى بلاء حسناً لم يبل أحد مثل بلائه وشبق إلى الماء ليملكه فوجد فيه فوجاً من التتار فما زال يقاتلهم حتى زحزحهم فملكه فبات المسلمون يرتوون بالماء وبات التتار يصطلون بالعطش فكان ذلك من أكبر الأسباب النصرة . ثم لما خلت حماة بعث إلى نيابتها وكان كأنه مالكها .
حكى لنا الصاحب أمين الدين قال : طلبت يوماً إلى دار النيابة وسلار جالس وبيبرس إلى جانبه فدخلت مسرعاً لكثرة الاستعجال وليس معه منديل للحساب فقال لي سلار : اين كارتك ؟ يعني الحساب فقلت : هي مع العبد فأمر بها فأحضرت ثن قال : اكشف أي شيء مضمون التذكرة التي كتبت على حماة قال : فكشفتها وكانت قد كتبت تذكرة على حماة وكتب فيها قبجق فالجناب العالي السيفي مقدم بكذا والجناب العالي السيفي يفعل كذا فقال لي : يا سبحان الله كأنك نسيت ما عمله قبجق أيش هذا ؟ تريد تغيظه حتى يعمل النوبة أنحس من الأول ؟ ! .
هو طلع رقاص عندكم حتى تقولوا لهاه اعمل كذا وافعل كذا ؟ ما يقنعكم أنه يقنع بحماة ويسكت عنكم ؟ ! .
ثم أخرج كتاباً جاءه منه وهو يقول فيه بين أسطره : لا إله إلا الله يا خوند ويا خوشداش صرت مشد جهة عند الكتاب والدواوين أو والي بلد إن كان هذا بمرسومك فحاشاك منه والموت أ ؟ ون من هذا وإن كان هذا بمرسوم الدواوين فتريد تعرف أن الدنيا سابيه وأنت عرف أيش يترتب على هذا