وكان أبو عبيد مع عبد الله بن طاهر فبعث إليه أبو دلف يستهديه أبا عبيد مدة شهرين فبعثه فجاء إليه فوصله بثلاثين ألف درهم فلم يقبلها وقال : أنا عند رجل لم يحوجني إلى صلة غيره .
فلما عاد إلى ابن طاهر أعطاه ثلاثين ألف دينار فقال : قد قبلتها أيها الأمير ولكن قد أغنيتني بمعروفك وبرك وقد رأيت أن أشتري بها سلاحاً وخيلاً وأوجه بها إلى الثغور ليكون الثواب متوفراً على الأمير .
وقال أبو عبيد : عاشرت الناس وكلمت أهل الكلام فما رأيت قوماً أوسخ ولا أضعف حجة ن الرافضة ولا أحمق منهم .
وحكى عنه البخاري في أفعال العباد وأبو داود في كتاب الزكاة وغيره في تفسير أسنان الإبل وتوفي سنة أربع وعشرين ومائتين بمكة وقيل بالمدينة ومولده سنة أربع وخمسين ومائة .
وذكر أنه لما قضى حجه وعزم على الانصراف اكترى إلى العراق فرأى في الليلة التي عزم فيها على الانصراف النبي A في منامه وهو جالس وعلى رأسه قوم يحجبونه وناس يدخلون ويسلمون عليه ويصافحونه وكلما دنا ليدخل منع فقال : لم لا تخلون بيني وبين رسول الله A ؟ فقالوا : والله لا تدخل إليه ولا تسلم عليه وأنت خارج غداً إلى العراق . فقال لهم : إني لا أخرج غذن فأخذوا عهده وخلوا بينه وين رسول الله A فدخل وسلم عليه وصافحه وأصبح ففسخ الكري وسكن بمكة ولم يزل بها إلى أن مات .
ولما وضع كتاب غريب الحديث عرضه على عبد الله بن طاهر فاستحسنه وقال : إن عقلاً بعث صاحبه على عمل هذا الكتاب حقيق أن لا يحوج إلى طلب المعاش وأجرى له كل شهر عشرة آلاف درهم .
وقال الهلال بن العلاء الرقي : منّ الله تعالى على هذه الأمة بأربعة في زمانهم : بالشافعي تفقه في حديث سول الله A وبأحمد بن حنبل ثبت في المحنة ولولا ذلك لكفر الناس وبيحيى بن معين نفى الكذب عن حديث رسول الله A وبأبي عبيد القاسم بن سلام فسر غريب الحديث ولولا ذلك لاقتسم الناس الخطأ .
وقال عبد الله بن طاهر : علماء الإسلام أربعة : عبد الله بن عباس في زمانه والشعبي في زمانه والقاسم بن معين في زمانه وأبو عبيد القاسم بنس لام في زمانه .
ثم قال يرثيه : .
يا طالب العلم قد مات ابن سلام ... وكان فارس علمٍ غير محجام .
كان الذي كان فيكم ربع أربعةٍ ... لم تلق مثلهم أستار أحكام .
وله من الكتب : كتاب غريب الحديث . كتاب غريب القرآن . كتاب معاني القرآن . كتاب الشعراء . كتاب المقصور والممدود . كتاب القراءات . كتاب المذكر والمؤنث . كتاب الأموال . كتاب النسب . كتاب الأحداث . كتاب الأمثال السائرة . كتاب عدد آي القرآن . كتاب أدب القاضي . كتاب الناسخ والمنسوخ . كتاب الأيمان والنذور . كتاب الحيض . كتاب فضائل القرآن . كتاب الحجر والتفليس . كتاب الطهارة وله غير ذلك من الكتب الفقهية .
الصباغ الأدفوي .
أبو القاسم بن سليمان بن قاسم الصباغ الأدفوي تجرد وتعبد مدة وقرأ الفقه والعربية على مجد الدين ابن دقيق العيد ثم بنى رباطاً بأدفو خارج البلد .
وكان عليه سمت الصالحين وكان ينظم عجباً وتعانى لغة غريبة . نظم مرة قصيدة ثم إنه أنشدها لشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد فقال له : هذه اللغة جمعتها من الكوم ؟ قال الفاضل كمال الدين جعفر الأدفوي : وكان يدعي أنه يحصر دخان المعصرة كم يجيء من قطار قند والأردب السمسم كم هو حبة وأنه بال في النيل فزاد وأنه طلع على بربا أدفو وكسر التتار وقال : رأيته مرات . وتوفي ببلده سنة أربع وتسعين وستمائة .
قلت : قوله إنه يحصر دخان المعصرة من كم قنطار قند غريب عجيب مستحيل لا يعلمه إلا من يعلم مخارج الجذور الصم وهو الله تعالى .
وأما الأدب كم هو سمسمة فيمكن علمه بأن يجمع منه ثمن قدح أو ثمن ثمن قدح ويعد ثم يضرب بذلك ويمكن معرفة جملته .
وأما قوله إنه بال في النيل فزاد فما هذا بعجيب لأنا نتحقق عقلاً أنه من بال في النيل فقد زاده شيئاً ما لكنه لا يظهر للحس فلو ادعى أنه شاهده وعلم قدر الزيادة كان عجيباً