ولما قويت شوكة المأمون استتر الفضل في شهر رجب سنة ست وتسعين ثم ظهر . ولما ولي إبراهيم بن المهدي الخلافة ببغداد اتصل به الفضل بن الربيع فلما اختلت حال إبراهيم استتر الفضل ثانياً وشرح ذلك يطول .
ثم إن طاهر بن الحسين سأل المأمون الرضى عن الفضل وأدخله عليه . ولم يزل بطالاً إلى أن مات سنة ثمان ومائتين وعمره ثمان وستون سنة .
وكتب إليه أبو نواس يعزيه بالرشيد ويهنئه بولاية الأمين : .
تعزّ أبا العباس عن خير هالكٍ ... بأكرم حي كان أو هو كائن .
حوادث أيامٍ تدور صروفها ... لهن مساوٍ مرةً ومحاسن .
وفى الحي بالميت الذي غيب الثرى ... فلا أنت مغبونٌ ولا الموت غابن .
وفيه قول أبي نواس المشهور : .
وليس لله بمستنكرٍ ... أن يجمع العالم في واحد .
وتحيز الفضل بن الربيع بعد موت الرشيد إلى محمد الأمين ووزر له وكان مع الرشيد بطوس لما مات فساق العسكر والأموال إلى الأمين ولم يعرج على المأمون وحسن للأمين خلع المأمون وساعده بكر بن المعتمر فقال يوسف بن محمد الحربي شاعر طاهر بن الحسين : .
أضاع الخلافة رأي الوزير ... وحمق الأمير وجهل الوزير .
فبكرٌ مشيرٌ وفضلٌ وزيرٌ ... يريدان ما فيه حتف الأمير .
فما كان إلا طريقاً غروراً ... وشر المسالك طرق الغرور .
فيا رب فاقبضهم عاجلاً ... إليك وخلدهم في السعير .
ونكل بفضلٍ وأشياعه ... وصلبهم حول هذي الجسوء .
ومنها : .
ومن يؤثر الفسق يخل به ... وتنفر عنه بنات الضمير .
لواط الخليفة أعجوبةٌ ... وأعجب منه بغاء الوزير .
فهذا ينيك وهذا يناك ... كذلك لعمري اختلاف الأمور .
فلو يستعفان هذا بذا ... لكانا بعرضة أمرٍ ستير .
ولكن ذا لج في كوثرٍ ... ولم تشف هذا أيور الحمير .
ولما رأى الفضل بن الربيع قوة المأمون واتصال ضعف الأمين وتخليطه وانفلال الناس عنه وتمزق الأموال التي كانت في يده استتر في شهر رجب سنة ست وتسعين ومائة .
أبو نعيم الملائي .
الفضل بن دكين أبو نعيم الإمام الكوفي الملائي الأحول : روى عنه البخاري وروى الجماعة عن رجل عنه وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وإسحاق بن راهويه وأبو خيثمة ومحمد بن يحيى الذهلي وغيرهم .
قال بشر بن عبد الواحد : رأيت أبا نعيم في المنام فقلت : ما فعل الله بك ؟ يعني فيما كان يأخذ على الحديث فقال : نظر القاضي في أمري فوجدني ذا عيال فعفا عني . وكان أبو نعيم أجلّ شيخ للبخاري .
وتوفي سنة تسع عشرة ومائتين .
أبو البركات كاتب صاحب حماة .
الفضل بن سالم بن مرشد أبو البركات التنوخي المعري الكاتب صاحب الإنشاء والترسل لصاحب حماة : روى عن أبيه وكان ذا حظوة وتقدم عند مخدومه وله شعر .
توفي سنة ثلاث وأربعين وستمائة .
وزير المأمون .
الفضل بن سهل أبو العباس السرخسي أخو الحسن بن سهل وقد تقدم ذكر أخيه في مكانه من حرف الحاء أسلم على يد المأمون سنة تسعين ومائة وقيل : إن أبا سهل أسلم على يد المهدي ووزر الفضل للمأمون واستولى عليه حتى ضايقه في جارية أراد شرائها .
ولما عزم يحيى بن خالد البرمكي على استخدام الفضل للمأمون وصفه بحضرة الرشيد فقال الرشيد : أوصله إلي فلما أدخله لحقته حيرة . فنظر الرشيد إلى الوزير يحيى نظر منكر لاختياره له فقال الفضل : يا أمير المؤمنين إن من أعدل الشواهد على فراهة المملوك أن تملك قلبه هيبة سيده فقال الرشيد : لئن كنت سكت لتوصغ هذا الكلام لقد أحسنت وإن كان بديهة لأحسن وأحسن . ثم لم يسأله بعد ذلك عن شيء إلا أجاب بما يصدق وصف يحيى له .
وكانت له فضائل وكان يلقب ذا الرياستين لأنه تقلد الوزارة والسيف . وكان يتشيع . وكان من أخبر الناس بعلم النجامة وأكثرهم إصابة في أحكامه .
يقال أنه اختار لطاهر بن الحسين لما خرج إلى الأمين وقتاً وعقد له فيه لواء وسلمه إليه وقال : عقدت لك لواء لا يحل خمساً وستين سنة .
وكان بين خروج طاهر ذلك الوقت إلى أن قبض يعقوب بن الليث الصفار على محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر بن الحسين بنيسابور ستون سنة