فأخذُ ذا بشعر ذا ... وأخذُ ذا بشعر ذا .
استقدم الوليد حماداً الراوية واستنشده هذه الأبيات فأنشدها إياه فأمر له بثلاثين ألف درهم ولعمارة بعشرة آلاف درهم . فقال له : يا أمير المؤمنين ألا أخبرك بشيء لا ضرر عليك فيه وهو أحبُّ لعمارة من الدنيا ولو سيقت إليه بحذافيرها ؟ قال : وما ذاك ؟ قال : إنه لا يزال ينصرف من الحانات وهو سكران فترفعه الشُّرَط فيضربونه الحدّ وقد قُطِّع بالسياط وهو لا يدع الشراب . فكتب إلى عامله بالعراق ألا يرفع أحدُ عمارة من الحرس في سكر ولا غيره إلاَّ ضُرب الرّافع حدِّين وأُطلق عمارة .
ابن ابن الزُّبير .
عُمارة بن حمزة بن عبد الله بن الزبير بن العوّام بن خُوَيْلد . يقال إنه أعرق الناس في القتل لأن عمارة وحمزة قتلهما الإباضية بقُدَيد وعبد الله بن الزبير قتله الحجاج بن يوسف الثَّقفي على ما تقدَّم وصلبه والزبير قتله عمرو بن جُرموز بوادي السباع على ما تقدَّم والعوام قتله بنو كنانة وخويلد قتله بنو كعب بن عمرو من خزاعة .
الكاتب التَّيّاه .
عمارة بن حمزة الكاتب . من ولد عكرمة مولى ابن عباس . توفي في حدود الثمانين والمائة . وكان أعور ذميماً إلاَّ أنَّه كان بليغاً كاتباً صدراً معظَّماً تيَّاهاً جواداً ممدَّحاً شاعراً . ولي عدة ولايات وكان المنصور والمهدي يعظّمانه ويحتملان أخلاقه لفضله وبلاغته وكفايته ووجوب حقّه . جُمع له بين ولاية البصر وفارس والأهواز واليمامة والبحرين والعرض . كان يقول : ما أعجب قول الناس : فلانٌ ربُّ الدار إنَّما هو كلب الدار يخبز في داري كلَّ يومٍ ألفا رغيف يأكل منها ألف وتسع مائة وتسع وتسعون رغيفاً حلالاً وآكل أنا منها رغيفاً واحداً حراماً .
أراد أبو جعفر المنصور يوماً أن يبعث به فأمر بعض خدمه أن يبعث به ويقطع حمائل سيفه لينظر أيأخذه أم لا . ففعل به ذلك وسقط السيف ؛ فمضى عُمارة ولم يلتفت .
وكان من تيهه إِذا أخطأ يمضي على خطأه ويتكبَّر عن الرجوع ويقول : نقضٌ وإبرام في ساعة واحدة ! .
الخطأ أهون من هذا . وكان يوماً يمشي مع المهدي في أيام المنصور ويده في يده فقال له رجل : من هذا أيُّها الأمير ؟ فقال أخي وابن عمِّي عُمارة بن حمزة . فلما ولَّى الرجل ذكر المهدي ذلك لعمارة كالمازح فقال عُمارة : انتظرتُ أن تقول مولاي فأنفض والله يدي من يدك ؛ فضحك المهدي .
وبلغ موسى الهادي حال بنتٍ جميلةٍ لعمارة فراسلها فقالت لأبيها فقال : قولي له ليأتي إليك وضعيه في موضع يخفى أثره . فأرسلت إليه فحضر إليها فأدخلته حجرةً له قد أُعدَّت بالفرش الجميل فلمَّا صار فيها دخل إليه عُمارة فقال : السلام عليك أيُّها الأمير ماذا تصنع هاهنا ؟ اتَّخذناك وليَّ عهدٍ فينا أو فحلاً لنسائنا ؟ ثمَّ أمر به فبطح مكانه وضربه عشرين دِرَّةً خفيفةً وردَّه إلى منزله . فحقدها عليه الهادي فلمَّا ولي الخلافة دسَّ عليه رجلاً يدَّعي عليه أنَّه غصبه الضيعة الفلانية بالكوفة وكان قيمتها ألف ألف درهم ؛ فبينا الهادي ذات يوم جالسٌ للمظالم وعمارة بحضرته إذْ وثب الرجل وتظلَّم منه فقال له الهادي : قم واجلس مع خصمك - وأراد إهانته - فقال : إن كانت الضيعة لي فهي له ولا أُساوي هذا النذل في المجلس ؛ ثمَّ قام وانصرف مغضباً .
وكرهه أهل البصرة لتيهه وعجبه فرفع أهل البصرة إلى المهدي أنَّه اختان مالاً كثيراً فسأله المهدي عن ذلك فقال : والله يا أمير المؤمنين لو كانت هذه الأموال التي يذكرونها في جانب بيتي ما نظرتُ إليها فقال المهدي : صدقت ؛ ولم يراجعه فيها . وقيل إنَّه كان له ألف دُوَّاج بوبرٍ سوى ما لا وبر له