وتودُّ الشمسُ لو باتتْ بها ... فلذا تصفرُّ أوقاتَ الرحيلِ .
ومنه : .
وقد أغتدي والليلُ قد سَلَّ صحبَهُ ... بليلٍ بجلبابِ الصباحِ تلثَّما .
وأحسبُهُ خالَ الثريَّا لجامَهُ ... فصيَّر هاديه إلى الأُفقِ سُلَّما .
ومنه : .
ولا تُصْغِيَنَّ إلى عاذِلٍ ... فما آفةُ الحبِّ إلاَّ العَذَلْ .
وجازِ بما شئتَ غيرَ الجفا ... وعذِّبْ بما شئتَ إلاَّ المَلَلْ .
ومنه : .
إِذا الغصونُ بدتْ خَفَّاقَةَ العَذَبِ ... فاسجدْ هُديتَ إلى الكاساتِ واقتربِ .
وطارحِ الوُرقَ في أدواحِها طرباً ... ومِلْ إِذا مالتِ الأغصانُ من طربِ .
وانهضْ إلى أُمِّ أُنسٍ بنتِ دَسْكَرَةٍ ... تُجلى عليكَ بإكليلٍ منَ الذهبِ .
وانظرْ إلى زينةِ الدنيا وزُخْرُفها ... في روضةٍ رَقَمَتْها أنْمُلُ السُّحُبِ .
وللأزاهرِ أحداقٌ مُحَدِّقَةٌ ... قد كحَّلَتْها يمينُ الشمسِ بالذَّهبِ .
ومنه : .
لا أَنسَ ليلةَ وافينا لموعدنا ... والكاسُ دائرةٌ والغصنُ مُعتنِقي .
فقلتُ إذْ بتُّ أسقي الشمس في قدحي ... من ذا الذي صاغها قُرطاً على الأُفقِ ؟ .
ومنه : .
تقاسمه الوُرَّادُ من كلِّ وجهةٍ ... ولا أثرٌ يبدو به للتبسُّمِ .
فلولاه ما جاد الغمامُ بعَبرةٍ ... ولا الروضُ أضحى مُظهراً للتبسُّمِ .
وكتب إليه السرَّاج الورَّاق ومن خطِّه نقلتُ : .
إِذا ابنُ سعيدٍ سادَ أهل زمانِهِ ... فقُلْ لهُمُ : ما سادَ هذا الفتى سُدى .
أرى الشُّهْبَ من شرقٍ لغربٍ مسيرُها ... لتحظى بأن تهوي لذا النورِ سُجَّدا .
وكتب ابن سعيد إلى السرَّاج الورَّاق : .
أتى بارتسامي في المحبَّة مسطورُ ... فللّه منظومٌ هناك ومنثورُ .
أهيمُ بمعناكم ومعنى جَمالِكم ... وأيُّ سراجٍ لا يهيم به النورُ ؟ .
فأجاب السرَّاج ومن خطّه نقلت : .
كتابُك نورَ نَوْرٌ مُفَتَّحٌ ... أريجُ الشذا من صوبِ عقلك ممطورُ .
تأرَّجَ لي لمَّا تبلَّجَ حبَّذا ... سطورٌ بها قد أشرق النَّوْرُ والنُّورُ .
صاحب شذور الذهب .
علي بن موسى بن علي بن موسى بن محمد بن خلف أبو الحسن بن النَّقَرات الأنصاري السالمي الأندلسي الجَيَّاني نزيل فاس . ولي خطابة فاس وهو صاحب كتاب شذور الذهب في صناعة الكيمياء . توفِّي سنة ثلاث وتسعين وخمس مائة . لم ينظم أحدٌ في الكيمياء مثل نظمه بلاغَةَ معانٍ وفصاحَةَ ألفاظ وعذوبة تراكيب حتَّى قيل فيه : إن لم يعلِّمك صنعة الذهب فقد علَّمك صنعة الأدب . وقيل : هو شاعر الحكماء وحكيم الشعراء . وقصيدته الطائيَّة أبرزها في ثلاثة مظاهر : مظهر غزل ومظهر قصة موسى والمظهر الذي هو في الأصل صناعة الكيمياء ؛ وهذا دليل القدرة والتمكُّن وأوَّلها : .
بزيتونة الدُّهنِ المباركةِ الوسطى ... غنينا فلم نبدل بها الأثلَ والخَمْطا .
صفونا فآنسنا من الطورِ نارَها ... تُشَبُّ لنا وَهْناً ونحن بذي الأرطى .
فلمَّا أتيناها وقرَّبَ صبرُنا ... على السَّير من بُعد المسافة ما اشتطَّا .
نحاولُ منها جذوةً لا ينالها ... مِنَ الناس من لا يعرف القبض والبسطا .
هبطنا من الوادي المقدِّس شاطئاً ... إلى الجانب الغربيِّ نمتَثِلُ الشرطا .
وقد أرجَ الأرجاءُ منها كأَنَّها ... لطيب شذاها تحرق العُودَ والقُسطا .
وقمنا فألقينا العصا في طِلابها ... إِذا هي تسعى نحونا حيَّةً رَقطا .
وثار لطيفُ النقعِ عند اهتزازها ... فأظلم من نور الظهيرة ما غطَّى .
وأهوت إلى ما دوننا من رماله ... وأمواهِهِ والصخرِ تنهمها سَرطا .
فأَدبرَ من لا يعرفُ السرَّ خِيفةً ... وأقبل منها من يروم بها سقطا