وغادرتْ في العدى طعناً يحفُّ بهِ ... ضربٌ كما حفَّتِ الأعكانُ بالسُّرَرِ .
قلت : ومن هذه المادة قول الآخر : .
خرقنا بأطراف القنا في ظهورهمْ ... عيوناً لها وقعُ السيوفِ حواجبُ .
وقال التهامي في الثريَّا والمجرَّة : .
وللمجرَّة فوق الأرض مُعْتَرَضٌ ... كأنَّها حَبَبٌ تطفو على نَهَرِ .
وللثريَّا ركودٌ فوق أَرحُلِنا ... كأنَّها قطعةٌ من فروة النَّمِرِ .
وقال : .
يحكي جنى الأَقحوانِ الغضِّ مَبْسِمُها ... في اللونِ والريحِ والتفليجِ والأشَرِ .
لو لم يكن أُقحواناً ثغرُ مبسمِها ... ما كان يزدادُ طِيباً ساعَةَ السَّحَرِ .
وقال : .
كأنَّ على الجوِّ فضفاضةً ... مساميرها فضةٌ أو ذهبْ .
كأنَّ كواكبهُ أعينٌ ... تُراعي سنا الفجرِ أو ترتقبْ .
فلمَّا بدا صفَّقتْ هيبةً ... تُسَتِّر أحداقها بالشُّهُبِ .
وشقَّتْ غلائلَ ضوء الصباحِ ... فلا هو بادٍ ولا محتجبِ .
وقال : .
كأنَّ سنانَ الرمح سلكٌ لناظمٍ ... غَداة الوغى والدَّارِعون جواهرُ .
تَرُدُّ أنابيبُ الرماح سواعداً ... ومن زَرَدِ الماذيِّ فيها أساورُ .
وقال : .
هو الطاعنُ النجلاءَ لا يبلغ امرؤٌ ... مداها ولو أنَّ الرماحَ مسابرُ .
يلبّيه من آل المفرّج إن دعا ... أسودٌ لها بيضُ السيوفِ أظافرُ .
تراهُ لقرعِ البِيضِ بالبِيضِ مُصغياً ... كأنَّ صليلَ الباتراتِ مزاهرُ .
وحفَّتْ به الآمالُ من كلِّ جانبٍ ... كما حفَّ أرجاءَ العيونِ المحاجرُ .
وله القصيدة الرائيَّة المشهورة التي رثى بها ابنه وقد سارت مسير الشمس وهي : .
حكمُ المنيَّةِ في البريَّةِ جارِ ... ما هذه الدُّنيا بدار قرارِ .
بينا يُرى الإنسانُ فيها مُخبراً ... حتَّى يُرى خبراً من الأَخبارِ .
طُبِعَتْ على كَدَرٍ وأنت تريدها ... صفواً من الأقذاءِ والأكدارِ .
ومكلِّفُ الأيَّامِ ضدَّ طباعها ... متطلِّبٌ في الماءِ جَذوةَ نارِ .
وإذا رجوتَ المستحيلَ فإنَّما ... تبني الرجاءَ على شفيرٍ هارِ .
العيشُ نومٌ والمنيَّةُ يقظةٌ ... والمرءُ بينهما خيالٌ سارِ .
فاقْضوا مآربكم عِجالاً إنَّما ... أعمارُكم سَفَرٌ من الأسفارِ .
وتراكضوا خيلَ الشبابِ وبادروا ... أن تُسْتَرَدَّ فإنَّهنَّ عَوارِ .
فالدهر يخدع بالمنى ويُغِصَّ إنْ ... هَنَّا ويهدم ما بنى ببَوارِ .
ليس الزمانُ وإن حرصتَ مسالماً ... خُلُقُ الزمانِ عداوَةُ الأحرارِ .
إنِّي وُتِرْتُ بصارمٍ ذي رَوْنَقٍ ... أعددتُه لطلابةِ الأوتارِ .
أُثني عليه بأثرِهِ ولو أنَّهُ ... لو يُغْتَبَط أثنيتُ بالآثارِ .
يا كوكباً ما كانَ أقصرَ عمرَهُ ... وكذا تكون كواكبُ الأسحارِ .
وهلالَ أيَّامٍ مضى لم يستدرْ ... بدراً ولم يُمْهَلْ لوقتِ سِرارِ .
عَجِلَ الخُسوفُ عليه قبل أوانِهِ ... فغطَّاهُ قبل مَظِنَّةِ الإبدارِ .
واستُلَّ من لأقرانِهِ ولداتِهِ ... كالمُقلَةِ استُلَّتْ من الأشفارِ .
فكأنَّ قلبي قبرُهُ وكأنَّهُ ... في طيِّهِ سِرٌ من الأسرارِ .
إنْ تَحْتَقِرْ صغراً فربَّ مُفخَّمٍ ... يبدو ضئيلَ الشخص للنُّظَّارِ .
إنَّ الكواكبَ في علوِّ محلِّها ... لَتُرى صِغاراً وهي غيرُ صغارِ .
وَلَدُ المعزَّى بعضُهُ فإذا مضى ... بعضُ الفتى فالكلُّ في الآثارِ