وسمعت عنه أنه قال : لو ورد على الإسلام متكلم أو مشكك أو ما هذا معناه لتعين الإمام سيف الدين لمناظرته لاجتماع أهليه ذلك فيه أو كما قال . وسمعت الإمام جمال الدين أبا عمرو عثمان بن أبي بكر المالكي المعروف بابن الحاجب يقول : ما صنف في أصول الفقه مثل كتاب سيف الدين الآمدي الإحكام في أصول الأحكام ومن محبته له اختصره C تعالى .
ولما مات الشيخ سيف الدين C تعالى أخبرني صاحبنا زين الدين أبو عبد الله محمد بن الحسن بن علي ابن أبي المحاسن بن طاهر الأنصاري المقدسي قال : أخبرني بعض الفضلاء أنه رأى الشيخ سيف الدين في المنام بعد موته فقال له : يا مولانا ما فعل الله بك ؟ فقال : أجلسني بين يديه وقال لي : استدل على وحدانيتي بين ملائكتي فقلت : الحوادث اقتضت تعلقاً بمحدث لتخرج عن حد الاستحالة وكان لا بد من محدث . ثم كان القول بالاثنين مثل القول بالثلاثة والأربعة إلى ما لا يتناهى فلم يترجح منها شيء فسقط ما وراء الواحد وبقي الواحد صحيحاً أو كما قال ثم أدخلني الجنة .
وكان صاحب آمد الملك المسعود ركن الدين مودود بن الملك الصالح أبي الفتح محمود بن نور الدين محمد بن فخر الدين قرا أرسلان بن ركن الدولة سقمان بن أرتق بن أكسب قد رغب أن يكون الشيخ سيف الدين الآمدي في آمد وكاتبه ووعده أن يجعله قاضي القضاة ويقطعه جارياً كبيراً وجهد في ذلك . وكان أصحاب الشيخ يؤثرون ذلك ليتسع الرزق عليهم فإن الشيخ كان يؤثر الراحة والقناعة . وكان يحب سكنى دمشق فلما تكرر طلبه وعد بالإجابة وجعل يدافع من وقت إلى وقت . فلما أخذ الملك الكامل آمد من صاحبها ورتب فيها النواب أراد أن يولي فيها قاضياً من جهته فأجري الحديث في ذلك والسلطان الملك الأشرف بن العادل وصاحب آمد يسمع فقال صاحب آمد : يا مولانا كان المملوك قد كاتب الشيخ سيف الدين الآمدي في أن يجعله قاضياً في آمد وأجاب إلى ذلك وأراد أن ينفع الشيخ سيف الدين بهذا القول فنظر الكامل إلى الأشرف كالمنكر عليه أن يكون في بلده مثل هذا الرجل وقد عزم على مفارقتها وهو يكاتب ملكاً آخر . فبقيت في نفس الأشرف إلى أن ورد دمشق فأخذ المدرسة العزيزية منه ووقع بها لمحيى الدين ابن الزكي وقطع جاريه وأمره أن يلزم بيته . فبقي على هذه الحال إلى أن مات C تعالى .
أنشدني الأديب العارف نجم الدين أبو المعالي محمد بن سوار بن إسرائيل لنفسه بدمشق وقد عزل سيف الدين كما ذكرنا : من السريع .
قد عزل السيف وولى القراب ... دهر قضى فينا بغير الصواب .
فاضحك على الدهر وأربابه ... وابك على الفضل وفصل الخطاب .
وحضرنا في بستان للشيخ سيف الدين بأرض المزة بدمشق بعد موته مع جماعة من أصحابه وفينا نجم الدين ابن إسرائيل فكتب على سارية تحت عريش كان كثيراً ما يجلس الشيخ سيف الدين C إليها حين يقرأ عليه العلم : من السريع .
يا مربعاً قلبي له مربع ... جادك غيث أبداً يهمع .
عهدي بمغناك وفي أفقه ... شمس المعالي والحجى تطلع .
وكنت غمد السيف حتى قضى ... والغمد بعد السيف لا يقطع .
وأنشدني نجم الدين ابن إسرائيل أيضاً لنفسه من أبيات يرثي بها الشيخ سيف الدين وقد كان جادت السماء عند دفنه بمطر عظيم : من الكامل .
بكت السماء عليه عند وفاته ... بمدامع كاللؤلؤ المنثور .
وأظنها فرحت بمصعد روحه ... لما سمعت وتعلقت بالنور .
أوليس دمع الغيث يهمي بارداً ... وكذا تكون مدامع المسرور .
وتوفي ليلة الاثنين وقت صلاة المغرب ثاني صفر سنة إحدى وثلاثين وست مائة بدمشق ودفن يوم الاثنين بسفح قاسيون C . ولما مات توقف الأكابر والعلماء بدمشق عن حضور جنازته خوفاً من الملك الأشرف إذا كان متغيراً عليه . فخرج الإمام عز الدين في جنازته وجلس تحت قبة النسر حتى صلى عليه . فلما رأى الناس ذلك بادروا إليه وصلوا عليه