وقد ضربت في خضرة النور صفرة ... من الشمس فاخضر اخضراراً مشعشعا .
كأن جفوني لم تبت ذات ليلة ... كراها قذاها لا تلاوم مضجعا .
فثاروا إلى آلاتهم فتقلدوا ... خرائط حمراً تحمل السم منقعا .
مثقفة ما استودع القوم مثلها ... ودائعهم إلا لأن لا تضيعا .
محملة زاداً قليلاً مناطه ... من البندق الموزون قل فأمتعا .
نكير لئن كانت ودائع مثلها ... حقائب أمثالي ويذهبن ضيعا .
هنالك تغدو الطير ترتاد مرتعا ... وحسبانها المكذوب ترتاد مصرعا .
فلله عين من رآهم إذا انتهوا ... إلى موقف المرمى وأقبلن برعا .
وقد وقفوا للحانيات وشمروا ... إلى موقف الإنصاف سوقاً وأذرعا .
وقد أغلقوا عقد الثلاثين منهم ... بمجدولة الأقفاء جدلاً موسعا .
وجدت قسي القوم في الطير جدها ... فخرت سجوداً للرماة وركعا .
هنالك تلقى الطير ما طيرت به ... على كل شعبٍ جامعٍ فتصدعا .
فظل صحابي ناعمين ببؤسها ... وظلت على حوض المنية شرعا .
طرائح من سود وبيض نواصع ... تخال أديم الأرض منهن أبقعا .
يؤلف منها بين شتى وإنما ... يشتت من ألافها ما تجمعا .
فكم ظاعن منهن مزمع رحلة ... قصرنا نواه بعدما كان أزمعا .
كأن لباب التبر عند انتصابها ... جرى ماؤه في ليطها فتربعا .
كأنك إذ ألقيت عنها ثيابها ... سفرت به عن وجه عذراء برقعا .
كأن قراها والفروز التي به ... وإن لم تجدها العين إلا تتبعا .
مذر سحيق الورس فوق صلاية ... يخالطه من أرجل العمل أكرعا .
لها أول طوع اليدين وآخر ... إذا سمته الإغراق فيها تمنعا .
ولا عيب فيها غير أن نذيرها ... يروع قلوب الطير حتى تضعضعا .
على أنها مكفولة الرزق ثقفة ... وإن راع منها ما يروع فأفزعا .
متاع لراميها الرمايا كأنما ... دعاها له داعي المنايا فأسمعا .
تؤوب بها قد أكسبتك وغادرت ... من الطير مفجوعاً به ومفجعا .
لها عولة أولى بها من تصيبه ... وأجدر بالإعوال من كان موجعا .
وما ذاك إلا زجرها لبناتها ... مخافة أن يذهبن في الجو ضيعا .
تقلب نحو الطير عيناً بصيرة ... كعينيك بل أذكى ذكاءً وأسرعا .
مربعة مسقومة بشبابها ... كتمثال بيت الوشي حيك مربعا .
تقاذف عنها كلما ساء حذرة ... يمر مروراً بالفضاء مشيعا .
فإن أخطأته استوهلته لأختها ... فتلحقه الأخرى مروعاً مفزعا .
وإن ثقفته أنفذته وقدرت ... له ما يوازيه من الأرض مصرعا .
كأن بنات الماء في صرح متنه ... إذا ما علا رأد الضحى فترفعا .
زرابي كسرى بثها في صحابه ... ليحضر وفداً أو ليجمع مجمعا .
تريك ربيعاً في خريف وروضة ... على لجة بدعاً من الأرض مبدعا .
وأخضر كالطاووس يحسب رأسه ... بخضراء من محض الحرير مقنعا .
يلوح على إسطامه وشي صفرة ... ترقش منها متنها فتلمعا .
كملعقة الصيني أحكمها يدا ... صناع وإن كانت يد الله أصنعا .
وعينان حمراوان يطرف عنهما ... كأن حجاجيه بفصين رصعا .
ومن أعقف أحذاه منقاره اسمه ... أضد بديع الحسن فيه فأبدعا .
مطرف أطراف الجناح تخاله ... بنان عروس بالثريا مقنعا .
هذه القصيدة العينية طويلة اخترت منها هذا الذي أثبته ومن قصائده الغر قوله في عبد الملك بن صالح الهاشمي ويذكر الجارية السوداء وأبدع في أوصافها منها : من المنسرح