حتى إذا مالت إلى الغروب ... شبهتها بالقدح المكبوب .
والبدر في وسط النجوم زاهر ... كالملك قد حفت به العساكر .
كأنما عطارد لما طلع ... أدركه وقد بدا البدر الجزع .
فهو من الخيفة منه يرتعد ... كقلب صب راعه الحب بصد .
وقابل المريخ في الأفق زحل ... كأنه شهاب نار تشتعل .
ولاحت الزهرة وهي تزهر ... فنوره لكل نجم يبهر .
فلم أزل لكل نجم أرصد ... حتى تولى للغروب الفرقد .
وسار للغرب الظلام يطلب ... كأنه من الصباح يهرب .
ثم بدا الصبح بوجه مسفر ... وغابت الجوزاء إثر المشتري .
وانهزمت عساكر الليل ولم ... يبق الصباح إذ بدا على الظلم .
وهتكت ستر الدجا أنواره ... وأسبلت على الورى أستاره .
ولم يكن في الأرض نور للقمر ... حتى كأن لم يك لليل أثر .
فقلت : يا مولى العقيلي أجب ... عبدك في نومك ذا لما طلب .
وقم بنا بلا خلاف نصطبح ... فيومنا يوم سرور وفرح .
قد غابت الأحزان عنه فاغتنم ... غفلة صرف الدهر ما مولى الأمم .
فقد أتى الطاهي لنا قبل السحر ... بجونة فيها جميع ما حضر .
وذاك أني عند بدء الحندس ... قلت له : إيت بها في الغلس .
فجاء الصبح بها كما طلع ... كأنه لما استنار ولمع .
شيب بدا في عارض الظلام ... يلوح أو كصفحة الحسام .
مثل عروس للجلا مزينه ... وهي بأنواع الطعام مشحنه .
قد ألبست من الرقاق الناعم ... غلائلاً لذيذة المطاعم .
والبيض والجبن مع الزيتون ... والنعنع المخلوط بالطوخون .
مقطع مع الكرفس المصري ... كمثل هداب ثياب خضر .
على خروف وافر مدور ... كأنه مرصع بالجوهر .
والخل والملح فما نسيهما ... علماً بأني منه اشتهيهما .
كأنما يسفر عن صياح ... كأنما يبسم عن أقاحي .
وذات عقد أبرزت من خدرها ... لا تدرك الأيام حصر عمرها .
زفت فما تدرك بالعيان ... لطول ما أفنت من الزمان .
تكاد تخفي رقةً عن كاسها ... تبدو فيخفى الكاس عن جلاسها .
بكر عروس ذات نور يلمع ... وذات أنفاس كمسك يسطع .
كأنها في كاسها إذ مزجت ... عقيقة في درة قد أسرجت .
أو كالشقيق الغض أو كالنار ... أو كنضار في لجين جار .
يحكي عليها حين يعلو الحبب ... نجوم در في سماء من ذهب .
أو كدموع فوق خد جؤذر ... أو كرداء فوق خد أحمر .
فهو على دور الإناء حائل ... كأنه إذ أراه الناهل .
منطقة من لؤلؤ قد نظمت ... أو مقل بلا جفون قد رنت .
مدامة تسلب باللطف الحجى ... ونورها يهتك أستار الدجا .
تكاد أيدي الشرب منها تختضب ... لولا المزاج أشفقوا أن تلتهب .
أطيب من طيب الحياة شربها ... ممكن من النفوس حبها .
معينة النفس على لذاتها ... وراحة الأرواح من علاتها .
وملجأ من كل هم وترح ... منتهى كل سرور وفرح .
يغني عن المسك الفتيق نشرها ... وعن جميع ما يسر ذكرها .
قد فاز من واصلها ولم يخب ... لأنها أجلب شيء للطرب .
يسعى بها رود كغصن البان ... كأنها وكاسها شمسان