ونقلت من خط الفقيه كمال الدين أبي العباس أحمد بن سليمان بن إبراهيم الطوخي الشافعي صهر الشيخ جمال الدين ابن الحاجب C تعالى أنشدني الشيخ جمال الدين أبو عمرو عثمان بن الحاجب ما ذكره بعض أصحاب التواريخ في المعميات : .
ربما عالج الحروف رجال ... في القوافي فتلتوي وتلين .
طوعتهم عين وعين وعين ... وعصتهم نون ونون ونون .
ثم قال كتب هذان البيتان إلي حاذق بإخراج المعميات فأقام ستة أشهر ينظر فيهما إلى أن كشفهما ثم حلف بأيمان مغلظة أنه لا ينظر في معمى أبداً ! .
ولم يذكر تفسيرهما أصلاً ! .
فأضربت عن النظر فيهما لم تبين من عسرهما من سياق الحكاية . ثم بعد أربعين سنة خطرا لي بالليل فأفكرت فيهما فظهر لي أمرهما وأنه إنما أراد بقوله : طاوعتهم عين وعين وعين يعني نحو يد وغد ودد لأنهن عينات مطاوعة في القوافي مرفوعة كانت أو منصوبة أو مجرورة وكل واحد منها عين لأنها عين الكلمة لأن وزن غد فع ووزن يد فع ووزن دد فع ! .
وأرد بقوله : وعصتهم نون ونون ونون الحوت لأنه يسمى نوناً . والدواة لأنها تسمى نوناً والنون الذي هو الحرف وكلها نونات غير مطاوعة في القوافي إذ لا يلتئم واحد منها مع الآخر . ثم نظم ذلك Bه في بيتين على وزن السؤال فقال : .
أي غد مع يد دد ذو حروف ... طاوعت في الروي وهي عيون .
ودواة والحوت والنون نونا ... ت عصتهم وأمرها مستبين .
ثم قال : ولا يشك عارف بالمعميات أنه لم يرد سوى ذلك . انتهى . قلت : الذي ذكره الشيخ C تعالى في غاية الحسن والدلالة على ذكائه المفرط ولكن الذي ذكره في أمر العينات مسلم وأما النونات فلا نسلم أنها تعصي في القوافي ولا تلتئم لأنها تقع قوافي على صيغة النون فتكرر في كل مرة قافية نون ويكون ذلك من باب الجناس الذي اتفق لفظه واختلف معناه كما نظم الناس القوافي المتعددة في لفظ العين والخال والهلال وغير ذلك من المشترك . وقد ذكرت هذا في أول شرح لامية العجم وفيه زيادات تتعلق بذلك ولكن لم اذكر هناك هذه المؤاخذة . وفي ترجمة علي بن عدلان الموصلي شيء يتعلق بهذين البيتين أيضاً .
ومن تصانيف ابن الحاجب C الحاجبية وهي المقدمة الموسومة بكافية ذوي الأرب وهي خمس كتب واحد في النحو وآخر في التصريف وآخر في تمرين التصريف والآخران أظنهما في العروض والقوافي أو في المعاني والبيان . وكان الشيخ جمال الدين ابن مالك C يقول : هذه كافية ولكنها ليست شافية ولذلك نظم الكافية الشافية ثلاثة آلاف بيت . وشرح ابن الحاجب هذه المقدمة شرحاً مختصراً وعادة المشتغلين الحذاق أن يأخذوه على الأشياخ بعد المقدمة . ونظم ابن الحاجب هذه المقدمة أيضاً . وكان الشيخ جمال الدين ابن مالك يقول : ابن الحاجب نحوه من نحو المفصل وصاحب المفصل نحوي صغير ! .
وأما شيخنا العلامة أثير الدين أبو حيان فإنه يقول : هذه نحو الفقهاء ! .
وقد رأيت بعض الأدباء الظرفاء كتب عليها بيت الحماسة : .
وددت وما تغني الودادة أنني ... بما في ضمير الحاجبية عالم .
وهي من المختصرات المفيدة النافعة اختصر فيها المفصل . ومن شروح الحاجبية شرح المصنف وثلاث شروح للسيد ركن الدين وشرح النيلي وشرح ابن القواس وشرح الشيخ شمس الدين الإصفهاني . وأنا لي عليها تعليقة لم تكمل .
وكان الشيخ جمال الدين ابن الحاجب له قدرة على الاختصار وكان يشاحح نفسه في الفاء أو الواو إذا كانت زائدة يتم المعنى بدونها حتى أنه يختصر الخطبة التي تكون أول التصنيف بل يذكر البسملة ويشرع في ذكر ذلك العلم الذي قصده . وله القدرة على إدراج المسائل الكثيرة في الألفاظ القليلة . ومصنفاته صناعة تصنيف يدل على تمكنه وحذقه وذكائه . وله مختصر ابن الحاجب في الأصول وهو الذي كشف المنتخب في أصول الفقه فإن الناس كانوا يحفظونه أولاً فلما ظهر المختصر اشتغلوا به . وشرحه الفضلاء فمن شروحه شرح ابن المطهر وشرح القاضي فخر الدين ابن خطيب جبرين وقطب الدين الشيرازي والطوسي شارح الحاوي والسيد ركن الدين . ولابن الحاجب قصيدة في العروض ومصنف في الفروع للمالكية وهو جيد عندهم . وله كتاب الأمالي وهو كتاب جيد اشتمل على فوائد عربية غريبة ونكت وقواعد وغير ذلك .
ولما مات رثاه الفقيه أبو العباس أحمد ابن المنير بقوله :