وتناظر هو وسيبويه فقال يونس بن حبيب : الحق مع سيبويه وهذا يغلبه بلسانه . وقال البخاري : مات سنة ست عشرة ومايتين . وقال غيره : سنة خمس عشرة . وقيل انه عاش ثمانياً وثمانين سنة . وروى له أبو داود والترمذي . وحدث الرياشي قال ؛ قال الأصمعي : لم تتصل لحيتي حتى بلغت ستين سنة . وكان الشعر للأصمعي والأخبار لأبي عبيدة . قال أبو الطيب عبد الواحد بن علي اللغوي : كان الأصمعي صدوقاً في كل شيء من أهل السنة . فأما ما يحكي العوام وسقاط الناس من نوادر الأعراب ويقولون : هذا ما افتعله الأصمعي ويحكون أن رجلاً رأى ابن أخيه عبد الرحمن فقال له : ما يفعل عمك ؟ فقال : قاعد في الشمس يكذب على الأعراب ! .
فهذا باطل نعوذ بالله منه ومن معرة جهل قائليه وكيف يكون ذلك وهو لا يفتي إلا فيما أجمع علماء اللغة عليه ويقف عما ينفردون عنه ولا يجيز إلا أفصح اللغات . وقال أبو قلابة عبد الملك بن محمد : سألت الأصمعي : ما معنى قول رسول الله A : " الجار أحق بسقبه " ؟ فقال : أنا لا أفسر حديث رسول الله ولكن العرب تزعم أن السقب : اللزيق .
وحدث محمد بن زاهر ؛ سمعت الشاذكوني يقول : إذا بعث الله D الخلق لم يبق بالبادية أعربي إلا تظلم إلى الله من كذب الأصمعي عليه ! .
وقال الأصمعي : حضرت أنا وأبو عبيدة عند الفضل بن الربيع فقال لي : كم كتابك في الخيل ؟ فقلت : مجلد واحد ! .
فسأل أبا عبيدة عن كتابه فقال : خمسون مجلداً ! .
فقال له : قم إلى هذا الفرس وأمسك عضواً منه وسمه ! .
فقال : لست بيطاراً وإنما هذا شيء أخذته عن العرب ! .
فقال لي : قم يا أصمعي وافعل ذلك ! .
فقمت وأمسكت ناصيته وجعلت أذكر عضواً عضواً وبلغت حافره ! .
فقال : خذه ! .
فأخذت الفرس ؛ قال : فكنت إذا أردت أن أغيظه ركبت ذلك الفرس وأتيته . وقال : كنت عند الرشيد فشرب ماء بثلج فاستطابه فقال : الحمد لله ! .
ثم قال لي : أتحفظ في هذا شيئاً يا عبد الملك ؟ فقلت : نعم ! .
وأنشدته : .
وشربة الثلج بماء عذب ... تستخرج الشكر من أقصى القلب .
شكراً من العبد لنعمى الرب .
فقال لي : يا أصمعي ! .
ما سمع بمثلك ! .
قلت : فالناس معذورون فيه إذ قالوا إنه يضع فإن هذا الاتفاق لاستحضار الأبيات بعيد فهو إما أن تكون الواقعة قد وضعها وإما أن يكون الشعر ارتجله وهو أعظم . وقال : لا ينبغي للإنسان أن يدخل على الملوك بغير الملح من السعر ؛ فإن الرشيد أعطاني في أبيات أنشدته في ليلة ثلاثة آلاف دينار ! .
دخلت عليه ليلة فأنشدته : .
تزوجت واحدة منكم ... فنكت بشفعتها أربعينا .
ونكت الرجال ونكت النساء ... ونكت البنات ونكت البنينا .
وأرسلت أيري في داركم ... فطوراً شمالاً وطوراً يمينا .
فقال الرشيد : هذا يصل المقطوع ويقيم النائم ! .
فزدني من هذا المعنى ! .
فأنشدته : .
أما والله لو يلقاك أيري ... قبيل الصبح في ظلماء بيت .
لكنت ترين أن السحق زور ... وأن الشأن في هذا الكميت .
وقال الأصمعي : وصلت بالعلم وكسبت بالملح . وقال : ذكرت يوماً للرشيد نهم سليمان بن عبد الملك وقلت : إنه كان يجلس وتحضر بين يديه الخراف المشوية وهي كما أخرجت من تنانيرها فيريد أخذ كلاها فتمنعه حرارتها فيجعل يده في طرف حلته ويدخلها في جوف الخروف فيأخذ كلاه ! .
فقال لي : قاتلك الله فما أعلمك بأخبارهم ! .
إعلم أنه عرضت علي ذخائر بني أمية فنظرت إلى ثياب مذهبة ثمينة وأكمامها زهكة بالدهن فلم أدر ما ذلك حتى حدثتني بهذا الحديث ! .
ثم قال : علي بثياب سليمان فنظرنا إلى تلك الآثار فيها ظاهرة فكساني منها حلة . وكان الأصمعي ربما خرج فيها أحياناً فيقول : هذه جبة سليمان ! .
وكان جد الأصمعي علي بن أصمع سرق بسفوان فأتوا به علي بن أبي طالب فقال : جيئوني بمن يشهد أنه أخرجها من الرحل فشهد عليه بذلك فقطع من أشاجعه فقيل له : يا أمير المؤمنين ! .
ألا قطعته من زنده ؟ فقال : يا سبحان الله ! .
كيف يتوكأ كيف يصلي كيف يأكل ؟ فلما قدم الحجاج البصرة أتاه علي بن أصمع فقال : أيها الأمير ! .
إن أبوي عقاني فسماني علياً فسمني أنت ! .
فقال : ما أحسن ما توسلت به ! .
قد وليتك سمك البارجاه وأجريت لك كل يوم دانقين فلوساً ووالله لئن تعديتهما لأقطعن ما أبقاه علي عليك !