وكان يمني نفسه أن يقصد بغداذ ويدخلها في جيش يضم إليه من خراسان ويسمو بهمته إلى الخلافة فاعتل بالاستسقاء وتوفي سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة . ومن شعره : الطويل .
فلست وإن حكت القريض بشاعر ... فأعطي على ما قلته القل والكثرا .
ولكن بحر العلم بين أضالعي ... طمى فرمى من دره النظم والنثرا .
ولو كان لي مال بذلت رقابه ... لمن يعتفيكم أو يذيع لكم شكرا .
قد قنعت والحمد لله همتي ... وفزت وما أبغي بمدحكم أجرا .
وما طلبي إلا السرير وإنما ... سريت إليكم أبتغي بكم النصرا .
ومنه : الخفيف .
ما ترى النار كيف أسقمها الق ... رُّ فأضحت تخبو وحيناً تسعر .
وغدا الجمر والرماد عليه ... في قميصين مذهب ومعنبر .
ومنه : الوافر .
وحمام له حر الجحيم ... ولكن شابه برد النسيم .
قذفت به ثواباً في عقاب ... وزرت به نعيماً في جحيم .
؟ ديك الجن .
عبد السلام بن رغبان بالراء والغين المعجمة وبعد الباء الموحدة ألف ونون ابن عبد السلام أبو محمد الكلبي الشاعر الحمصي المعروف بديك الجن : كان من شعراء بني العباس وأصله من سلمية وكان شيعياً ظريفاً ماجناً له مراث في الحسين Bه . مولده سنة إحدى وستين ومائة وتوفي في حدود الأربعين ومائتين أخذ عنه أبو تمام الطائي واجتمع بأبي نواس لما توجه إلى مصر .
وقال سعيد بن زيد الحمصي : دخلت على ديك الجن لأكتب شعره وقد صبغ لحيته بالزنجار وعليه ثياب خضر وكان جيد الغناء بالطنبور وقيل أنه كان أشقر أزرق العين ويصبغ حاجبيه بالزنجار وذقنه بالحناء ولذلك قيل له ديك الجن . ومن شعره : الطويل .
بها غير معذول فداو خمارها ... وميل بحبالات الغبوق ابتكارها .
ونل من عظيم الوزر كل عظيمة ... إذا ذكرت خاف الحفيظان نارها .
وقم أنت فاحثث كأسها غير صاغر ... ولا تسق إلا خمرها وعقارها .
فقام يكاد الكأس يحرق كفه ... من الشمس أو من وجنتيه استعارها .
ظللنا بأيدينا نتعتع روحها ... فتأخذ من أقداحنا الراح ثارها .
موردة من كف ظبي كأنما ... تناولها من خده فأدارها .
ولما اجتاز أبو نواس بحمص سمع به الديك فاختفى خوفاً منه لأنه قاصر فقصده أبو نواس في داره فاستأذن عليه فأنكرته الجارية ففهم المعنى فقال للجارية : قولي له اخرج فقد فتنت أهل العراق بقولك : .
موردة من كف ظبي كأنما ... تناولها من خده فأدارها .
فلما سمع ذلك خرج إليه وأضافه . وكان الديك يهوى غلاماً له وجارية فاتهمها به وقتلهما وأحرقهما وعمل من رمادهما برنيتين ثم تبين له أمرهما وأنه ظلمهما فكان يضع البرنيتين عن يمينه ويساره ويملأهما شراباً ويقبل هذه تارة وهذه تارة وقال فيهما الأشعار الكثيرة ومنها في الجارية : الكامل .
يا طلعة طلع الحمام عليها ... وجنى لها ثمر الردى بيديها .
رويت من دمها الثرى ولطالما ... روى الهوى شفتي من شفتيها .
قد بات سفي في مجال وشاحها ... ومدامعي تجري على خديها .
فوحق نعليها وما وطئ الحصى ... شيء أعز علي من نعليها .
ما كان قتليها لأني لم أكن ... أبكي إذا سقط الذباب عليها .
لكن ضننت على العيون بحسنها ... وأنفت من نظر الحسود إليها .
ومنه في الغلام : الكامل .
أشفقت أن يرد الزمان بغدره ... أو أبتلي بعد الوصال بهجره .
قمر إذا استخرجته من دجنه ... لبليتي ورفعته من خدره .
فقتلته وبه علي كرامة ... ملء الحشا وله الفؤاد بأسره .
عهدي به ميتاً كأحسن نائم ... والحزن يسفح دمعتي في نحره .
لو كان يدري الميت ماذا بعده ... بالحي كان له بكى في قبره .
غصص تكاد تغيظ منها نفسه ... ويكاد يخرج قلبه من صدره .
وقال في الجارية : البسيط