لقيت من الدنيا أموراً ثلاثةً ... ولو كان منها واحدٌ لكفانيا .
تكدر عيش المرء بعد صفائه ... وهجر خليل كان للفجر قاليا .
وثالثةٌ تنسي الأحاديث كلها ... ثقيل إذا أبعدت عنه أتانيا .
أبو منصور المدائني .
عبد الحميد بن محمد بن المبارك بن محمد بن محمد بن الخطيب أبو المنصور المدائني كان قاضيها وكان شاباً أديباً فاضلاً نزيهاً عفيفاً مشكوراً عند أهل بلده . توفي سنة ثمان وتسعين وخمس مائة . ومن شعره : السريع .
إذا نهيت الوغد عن طبعه ... أتاك منه الزيغ والخلف .
لا يصبر المرء على حالةٍ ... كان له في ضدها إلف .
كدودة الخل إذا ألقيت ... في عسل بادرها الحتف .
عبد الحميد الأنصاري .
عبد الحميد بن منصور بن علي بن عبد الجبار الأنصاري . سمع من علي ابن عبد الواحد وإسماعيل ابن أبي اليسر وغيرهما . وولد في سنة ست وخمسين وست مائة وتوفي C في ذي العقدة سنة تسع وعشرين وسبع مائة وأجاز لي بخطه في هذه السنة التي توفي فيها .
عبد الحميد الكاتب .
عبد الحميد بن يحيى بن سعد أبو يحيى الكاتب مولى العلاء بن وهب العامري الأنباري . كان يعلم الصبيان وينتقل في البلدان سكن الرقة وله بها عقب . كان من الكتاب الفضلاء البلغاء الذين يضرب بهم المثل في الكتابة كان أوحد دهره بلغ مجموع رسائله نحواً من ألف ورقة وأستاذه في الكتابة سالم مولى هشام بن عبد الملك .
تولى عبد الحميد الكتابة لمروان بن محمد بن مروان بن الحكم آخر خلفاء الأمويين . لما قوي أمر بني العباس قال مروان لعبد الحميد : إنا نجد في الكتاب أن هذا الأمر زائل عنا لا محالة وسيضطر إليك هؤلاء القوم فصر إليهم فإني أرجو أن تتمكن منهم فتنفعني في مخلفي وفي كثير من أموري فقال : وكيف لي بأن يعلم الناس جميعاً أن هذا عن رأيك وكلهم يقول أني غدرت بك وأني صرت إلى عدوك : الطويل .
أسر وفاء ثم أظهر غدرةً ... فمن لي بعذر يوسع الناس ظاهره ؟ .
ثم أنشد أيضاً : الوافر .
فلومٌ ظاهر لا شك فيه ... للائمة وعذري بالمغيب .
فلما سمع ذلك مروان علم أنه لا يفعل ثم قال عبد الحميد : إن الذي أمرتني به أنفع الأمرين لك وأقبحهما لي ولك علي الصبر إلى أن يفتح الله عليك أو أقتل في جماعتك ولكن دعني أكتب إلى أبي مسلم كتاباً إن قرأه على نفسه جبنه وفزعه وإن قرأه على جيشه فلله وفرقه فكتب إليه طوماراً حمل على بعير فوصل الرسول إلى أبي مسلم وهو بالري فوضع الكتاب يبن يديه في سرادقه وجمع عساكره ووزراءه فلما حضروا أمر بنار فأضرمت ثم قال لكاتبه : اقطع من رأس هذا الطومار قدر الراحة ثم قال اكتب إلى مروان جوابه . الطويل .
محا السيف أسطار البلاغة وانتحت ... عليك صدور الخيل من كل جانب .
وسلم الجواب إلى الرسول ثم أمر بالطومار فوضع في النار ولم يقرأه ولا فضه . وقيل لعبد الحميد : ما الذي مكنك من البلاغة وخرجك فيها ؟ قال : كلام الأصلع يعني علي بن أبي طالب Bه .
وأهدى عامل لمروان غلاماً أسود فقال لعبد الحميد : اكتب إليه واذممه واختصر فكتب : لو وجدت لوناً شراً من السواد وعدداً أقل من الواحد لأهديته . وعبد الحميد أول من أطال الرسائل واستعمل التحميدات في فصول الكتب وقيل : إنه قتل مع مروان على بوصير سنة اثنتين وثلاثين ومائة وقيل أنه استخفى لما قتل مروان وكان بالجزيرة فغمز عليه فدفعه السفاح إلى عبد الجبار بن عبد الرحمن صاحب شرطته فكان يحمي له طستاً ويضعه على رأسه إلى أن مات سنة أربع وثلاثين .
وكان يعقوب بن داود وزير المهدي كاتباً بين يدي عبد الحميد وعليه تحرج . وكان إسماعيل بن عبد الحميد من الكتاب الماهرين ورسالته - أعني عبد الحميد - إلى الكتاب مشهورة وهي التي أولها : أما بعد حفظكم الله يا أهل هذه الصناعة . ومن شعر عبد الحميد : المتقارب .
ترحل ما ليس بالقافل ... وأعقب ما ليس بالآفل .
فلهفي من الخلف النازل ... ولهفي من السلف الراحل .
وأبكي على ذا وأبكي لذا ... بكاء المولهة الثاكل .
تبكي من ابن لها قاطع ... وتبكي على ابن لها واصل