عبد الباقي بن عبد المجيد بن عبد الله بن أبي المعالي متى بن أحمد بن محمد بن عيسى بن يوسف تاج الدين اليمني المخزومي المكي . ولد بمكة لمضي اثنتي عشرة ليلة من رجب سنة ثمانين وست مائة وتوفي في أواخر سنة ثلاث وأربعين وسبع مائة أو أوائل سنة أربع وأربعين بالديار المصرية . ورد إلى دمشق أيام الأفرم وأقام بها متصدراً بالجامع في أيام الأمير سيف الدين تنكز مدة سبع سنين يقرئ الطلبة المقامات الحريرية والعروض وغير ذلك من علوم الأدب وقرر له على ذلك مائة درهم في كل شهر على مال الجامع الأموي . ثم توجه إلى اليمن وكتب الدرج لصاحب اليمن وربما وزر له . ثم لما مات الملك المؤيد صادره ولده وأخذ منه ما حصله . ثم ورد إلى مصر سنة ثلاثين وفوض إليه تدريس المشهد النفيسي وشهادة البيمارستان المنصوري ثم قدم دمشق ورأيته بها فيما أظن سنة إحدى وثلاثين ثم عاد إلى القاهرة ورأيته بها سنة اثنتين وثلاثين . ثم قدم دمشق ورتب مصدراً بالحرم في القدس فأقام به مدة . وتردد إلى دمشق وحلب وطرابلس وعمل له راتب بطرابلس . ثم توجه إلى القاهرة وأباع وظائفه وبها توفي C تعالى .
وكان شيخاً طوالاً حسن الشكل والعمة حلو الوجه اجتمعت به غير مرة وكان قادراً على النظم والنثر إلا أنه لم يكن له فيهما غوص وكان ظنيناً بنفسه يعيب كلام القاضي الفاضل وغيره ويظن أن كلامه خير من كلام القاضي الفاضل ويرجح كلام ابن الأثير عليه . وعارض الرسائل المختارة للقاضي الفاضل مثل الرسالة الذهبية وفتح القدس وغيرهما فعارض الشمس بالزبالة والجواهر بالزبالة لكن كلامه كان متوسطاً . وهو قادر على الإنشاء نظماً ونثراً ذو بديهة وارتجال وخطه جيد قوي . عمل تاريخاً لليمن وتاريخاً للنحاة ليس بشيء وذيل على تاريخ ابن خلكان بذيل قصير جداً رأيته لم يبلغ به ثلاثين رجلاً وكان يعظم نفسه ويمدحها ولكلامه وقع في النفوس إذا أطنب في وصف فضائله . وأنشدني من كلامه كثيراً وكتب علي أشياء وقف عليها من تصانيفي تقريظاً بالنظم والنثر فمن ذلك ما كتبه على جنان الجناس الطويل : .
جنان جناس فاق جنس جنان ... يعين المعاني فيه جل معاني .
لقد نوع الأجناس فيه مؤلف ... طرائق وشي أو سموط جمان .
غدا ناهجاً فيه مناهج لم يكن ... قدامة قدماً جاءها ببيان .
مقاصد ما نجل الأثير مثيرها ... بدائع فضلٍ من بديع زمان .
محررة الألفاظ لكن حسنها ... رقيق ينسينا حليل حسان .
إذا ابن فتى نجل الحديد أرادها ... تقول له : أقصر فلست بدان .
وما أنت ممن يسبك التبر ناقداً ... وما لك في سبك النضار يدان .
لقد أطربت أبياته كل سامع ... فرائد ما جاءت لهن ثوان .
تفوح بأرواح الصبا نفحاتها ... حظيرة بان عند حضرة بان .
لقد صير الحساد تذرف عندها ... مدامع شأن في محاجر شان .
أقول لنظمي حين حاول شأوها ... رفيقك قيسي وأنت يمان .
بقيت صلاح الدين للفضل صالحاً ... لحسن بيان من يراع بنان .
وأنشدني من لفظه لنفسه الوافر : .
تجنب أن تذم بك الليالي ... وحاول أن يذم لك الزمان .
ولا تحفل إذا كملت ذاتاً ... أصبت العز أم حصل الهوان .
وأنشدني لنفسه أيضاً الكامل : .
بخلت لواحظ من رأينا مقبلاً ... برموزها ورموزهن سلام .
فعذرت نرجس مقلتيه لأنه ... يخشى العذار فإنه نمام .
قلت : أخذه من الأول وهو أحسن وأكمل المديد : .
لافتضاحي في عوارضه ... سبب والناس نوام .
كيف يخفى ما أكابده ... والذي أهواه نمام .
وأنشدني لنفسه في حمار وحش : السريع : .
حمار وحش نقشه معجب ... فلا يضاهي حسنه في الملاح .
قد غدا في حسنه أوحداً ... تشاركا فيه الدجى والصباح .
قلت : فيه إضمار قبل الذكر ولا يجوز إلا على لغة من قال : أكلوني البراغيث وأحسن من هذا قول القائل في فهد البسيط : .
تنافس الليل فيه والنهار معاً ... فقمصاه بجلباب من المقل