عبد الله بن مسعود بن غافل - بالغين المعجمة والفاء - بن حبيب ابن شمخ أبو عبد الرحمان الهذلي حليف بني زهرة . كان أبوه في الجاهلية قد حالف عبد الله بن الحارث بن زهرة وأم عبد الله أم عبد بنت عبدودٍ من هذيل . كان إسلام عبد الله قديماً حين أسلم سعيد بن زيد وزوجته فاطمة بنت الخطاب قبل إسلام عمر بزمانٍ وكان سبب إسلامه أنه كان يرعى غنماً لعقبة بن أبي معيط فمر به رسول الله A وأخذ شاةً حائلاً من تلك الغنم فدرت علينا لبناً غزيراً فحلبه في إناءٍ وشرب وسقى أبا بكرٍ ثم قال للضرع : اقلص ! .
فقلص . قال : ثم أتيته بعد هذا فقلت : يا رسول الله ! .
علمني من هذا القول . فمسح رأسي وقال : يرحمك الله فإنك عليمٌ معلمٌ . قال ابن عبد البر : ثم ضمه إليه رسول الله A وكان يلج عليه ويلبسه نعليه ويمشي أمامه ويستره إذا اغتسل ويوقظه إذا نام . وقال له رسول الله A : إذنك علي أن ترفع الحجاب وأن تجمع سوادي حتى أنهاك . وكان يعرف في الصحابة بصاحب السواد والسواك . شهد بدراً والحديبية وهاجر الهجرتين جميعاً الأولى إِلى الحبشة والثانية من مكة إلى المدينة وصلى القبلتين وشهد له رسول الله A بالجنة . وقال A : رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبدٍ وسخطت لها ما سخط ابن أم عبدٍ . وقال A : اهدوا هدي عمارٍ وتمسكوا بعهد ابن أم عبدٍ . وقال A : رجل عبد الله أو رجلا عبد الله في الميزان أثقل من أحد . وقال A : إستقرأوا القرآن من أربعة نفرٍ فبدأ بابن أم عبدٍ ومعاذ بن جبلٍ وأبي بن كعبٍ وسالم مولى أبي حذيفة . وقال A : من أحب أن يسمع القرآن غضاً فليسمعه من ابن أم عبدٍ . وكان C رجلاً قصيراً نحيفاً يكاد طوال الرجال يوازونه جلوساً وهو قائم وكانت له شعرة تبلغ أذنيه وكان لا يغير شيبه . وجاء رجلٌ إلى عمر وهو بعرفات فقال : جئتك من الكوفة ونركت بها رجلاً يملي المصاحف عن ظهر قلبه . فغضب عمر غضباً شديداً وقال ويحك من هو ؟ قال : عبد الله بن مسعودٍ ! .
فذهب عنه ذلك الغضب وسكن وعاد إلى حاله وقال : والله ما أعلم أحداً من الناس هو أحق بذلك منه . وبعثه عمر بن الخطاب إلى الكوفة مع عمار بن ياسر وكتب إليهم : إني بعثت إليكم بعمار بن ياسرٍ أميراً وعبد الله بن مسعود معلماً ووزيراً وهما من النجباء من أصحاب محمدٍ A من أهل بدرٍ فاقتدوا بهما واسمعوا من قولهما وقد آثرتكم بعبد الله بن مسعود على نفسي . وقال عمر فيه : كنيفٌ ملئ علماً . ولما أمر عثمان بما أمر قام عبد الله بن مسعود خطيباً فقال : أتأرمني أن أقرأ القرآن على قراءة زيد بن ثابت ؟ والذي نفسي بيده ! .
لقد خذت من في رسول الله A سبعين سورةً وإن زيد بن ثابتٍ لذو ذؤابة يلعب مع الغلمان ! .
الله ما نزل شيءٌ من القرآن إلا وأنا أعلم في أي شيءٍ نزل وما أحدٌ أعلم بكتاب الله مني ولو أعلم أحداً تبلغنيه الإبل أعلم بكتاب الله مني لأتيته ثم استحى مما قال فقال : وما أنا بخيركم . ولما مات عبد الله نعي إلى أبي الدرداء فقال : ما ترك بعده مثله . ودفن بالبقيع وصلى عليه عثمان وقيل عمار وقيل الزبير ودفنه ليلاً بإيصائه بذلك إليه سنة اثنتين وثلاثين للهجرة . وروى له الجماعة .
عبد الله بن مسلم .
ابن قتيبة