يطيب أجاج الماء من نحو أرضه ... يجيئ ويندى ريحه وهو حرجف .
وأيأسني من وصله أن دونه ... متالف تسري الريح فيها فتتلف .
وغيران يجفو النوم كي لا يرى لنا ... إذا نام شملاً في الكرى يتألف .
يظل على ما كان من قرب دارنا ... وغفلته عما مضى يتأسف .
وجونٍ مزن الرعد يستن ودقه ... يرى برقه كالحية الصل تطرف .
كأني إذا ما لاح والرعد معولٌ ... وجفن السحاب الجون بالماء يذرف .
سليمٌ وصوت الرعد راقٍ وودقه ... كنفث الرقى من سوء ما أتكلف .
ذكرت به رياً وما كنت ناسياً ... فأذكر لكن لوعةٌ تتضعف .
ولما التقينا محرمين وسيرنا ... بلبيك تطوى والركائب تعسف .
نظرت إليها والهدايا كأنما ... غواربها منها عواطس رعف .
فقالت أما منكن ما يعرف الفتى ... فقد رابني من طول ما يتشوف .
أراه إذا سرنا يسير حذاءنا ... ونوقف أخفاف المطي فيوقف .
فقلت لتربيها ابلغاها بأنني ... بها مستهامٌ قالتا نتلطف .
وقولا لها يا أم عمرٍ أليس ذا ... منىً والمنى في خيفةٍ ليس تخلف .
فقالت في أن تبذلي طارف الوفا ... بأن عن لي منك البنان المطرف .
وفي عرفاتٍ ما يخبر أنتي ... بعارفةٍ من عطف قلبك أسعف .
وأما دماء الهدي فهي تواصل ... ورأي يراني في الهوى متألف .
وتقبيل ركن البيت إقبال دولةٍ ... لنا وزمانٌ بالتحية يعطف .
فأوصلتا ما قلته فتبسمتْ ... وقالْ : أحاديثُ العيافة زخرف .
بعيشي ألم أخبركما أنه امرؤٌ ... على لفظة برد الكلام المفوف .
فلا تأمنا ما استطعتما كيد نطقه ... وقولا ستدري أينا اليوم أعيف .
إذا كنت ترجو في منى الفوز بالمنى ... فبا لخيف من إعراضنا تتخوف .
وقد أنذر الإحرام أن وصالنا ... حرام وأنا عن مرادك نصدف .
فهذا وقذفي بالحصا لك مخبرٌ ... بأن النوى بي عن ديارك تقذف .
وحاذر نفاري ليلة النفر إنه ... سريعٌ فقلبي بالعيافة أعرف .
فلم أر مثلينا خليلي محبةٍ ... لكل لسانٌ ذو غرارين مرهف .
إما إنه لو لا الأغن المهفهف ... وأشنب براقٌ وأحور أوطف .
لراجع مشتاقٌ ونام مسهدٌ ... وأيقن مرتابٌ وأقصر مدنف .
ومنه : من الكامل .
ومدامةٍ عني الرضاب بمزجها ... فأطابها وأدارها التقبيل .
ذهبيةٍ ذهب الزمان بجسمها ... قدماً فليس لوصفها تحصيل .
بتنا ونحن على الفرات نديرها ... وهناً فأشرق من سناها النيل .
فكأنها شمس وكف مديرها ... فينا ضحىً وفم النديم أصيل .
ومنه : من الطويل .
محياً ترى الأتراب أشخاصها به ... جرى فيه رقراق النضارة مذهبا .
إذا زاره ذو لوعةٍ لاح شخصه ... إلى الحول في إفرنده متنصبا .
فاعجب بوجهٍ حسنه من وشاته ... ينم على من زاره متنقبا .
بدت صور العشاق في ماء خده ... فأغنت رقيب الحي أن يترقبا .
الجراوي عبد الله بن محمد الجراوي . تأدب بجراوة . دخل المغرب . قال ابن رشيق : قدم إلى الحضرة سنة سبع وأربعمائة متعلقاً بالخدمة وكان شاعراً فحلاً قوياً وصافاً درباً بالخبر والنسيب جيد الفكرة والخاطر تحسب بديهته رويةً عميدي الترسيل يتحدر كلامه كالسيل وكان حسن الخلق جميل العشرة مدمناً على الشراب متغارقاً فيه مزاحاً سأله أيوب مرةً : أي بروج السماء لك ؟ فقال : واعجباً منك ! .
مالي في الأرض بيتٌ يكون لي برجٌ في السماء ! .
؟ فضحك وأمر له بدارٍ جواره . وقال يوماً وقد تعدى المعز في موكبه أجيزوا : من البسيط .
لله درك اي ابنٍ لأي أب .
فقال ابن رشيق