فمللتم من صابرٍ ورقدتم ... عن ساهرٍ وزهدتم في راغب .
وأقل ما حكم الملال عليكم ... سوء القلى وسماع قول العائب .
ومنه : من الرمل .
ما على محسنكم لو أحسنا ... إنما نطلب شيئاً هينا .
قد شجانا اليأس من بعدكم ... فادركونا بأحاديث المنى .
وعدوا بالوصل من طيفكم ... مقلةً تعرف فيكم وسنا .
لا وسحرٍ بين أجفانكم ... فتن الحب به من فتنا .
وحديثٍ من مواعيدكم ... تحسد العين عليها الأذنا .
ما رحلت العيس عن أرضكم ... فرأت عيناي شيئاً حسنا .
ومنه : من الكامل .
عطر الثناء تعطرت أوصافه ... وحلت فكل فمٍ بها مشغول .
ما كان يعلم قبل صوب ثنائه ... أن الغمام المستهل بخيل .
ولو آن للأيام نار ذكائه ... ما كان فيها بكرةٌ وأصيل .
ومنه : من الكامل .
أملالةً ضيعت ودي بعدما ... وجبت عليك حقوقه الأسلاف .
أم شئت تعلم أن جودك لم يدع ... شيئاً وأن طباعك الإتلاف .
ومنه : من البسيط .
إذا هجوتكم لم أخش سطوتكم ... وإن مدحت فما حظي سوى التعب .
فحين لم يك لا خوفٌ ولا طمعٌ ... رغبت في الصمت إشفاقاً على الكذب .
ومنه وهي من الطنانات : من الطويل .
سلا ظبية الوعساء هل فقدت خشفا ... فإنا لمحنا من مرابعها طرفا .
وقولا لخوط البان فليمسك الصبا ... علينا فإنا قد عرفنا بها عرفا .
سرت من هضاب الشام وهي مريضةٌ ... فما ظهرت إلا وقد كاد أن تخفى .
عليلةُ أنفاسٍ تداوي بها الجوى ... وضعفاً ولكنا نرجي بها ضعفا .
وهاتفةٍ في البان تملي غرامها ... وتتلو علينا من صبابتها صحفا .
عجبت لها تشكو الفراق جهالةً ... وقد جاوبت من كل ناحيةٍ إلفا .
ويشجي قلوب العاشقين حنينها ... وما فهموا مما تغنت به حرفا .
ولو صدقت فيما تقول من الأسى ... لما لبست طوقاً ولا خضبت كفا .
أجارتنا أذكرت من كان ناسياً ... وأضرمت ناراً للصبابة لا تطفا .
وفي جانب الماء الذي تردينه ... مواعيد ما ينكرون لثما ولا خلفا .
ومهزوزةٍ للبان فيها تمايلٌ ... جعلن لها في كل قافيةٍ وصفا .
لبسنا عليها بالثنية ليلةً ... من الود لم يطو الصباح لها سجفا .
كأن الدجى لما تولت نجومه ... مدبر حربٍ قد هزمنا له صفا .
كأن عليه للمجره روضةً ... مفتحة الأنوار أو نثرةً زغفا .
كأنا وقد ألقا إلينا هلاله ... سلبناه جاماً أو فصمنا له وقفا .
كأن السها إنسام عينٍ غريقةً ... من الدمع يبدو كلما ذرفت ذرفا .
كأن سهيلاً فارسٌ عاين الوغى ... ففر ولم يشهد طراداً ولا زحفا .
كأن أفول الطرف طرفٌ تعلقت ... به سنةٌ ما هب منها ولا أغفى .
ابن البواب عبد الله بن محمد بن عتاب بن إسحاق بن البواب وكان يخلف الفضل بن الربيع على حجبة الخلفاء . وهو شاعرٌ قليل الشعر راويةٌ للأخبار عن الخلفاء عارفٌ بأمورهم . روى عنه عمر بن شبه ونظراؤه . ولما أتي المأمون بشعر ابن البواب الذي قال فيه : من الطويل .
أيبخل فرد الحسن فرد صفاته ... علي وقد أفردته بهوىً فرد .
رأى الله عبد الله خير عباده ... فملكه والله أعلم بالعبد .
ألا إنما المأمون عصمةٌ ... مميزةٌ بين الضلالة والرشد .
قال المأمون : أليس هو القائل ؟ : من الطويل .
أعيني جودا وابكيا لي محمدا ... ولا تذخرا دمعاً عليه وأسعدا .
فلا فرح المأمون بالملك بعده ... ولا زال في الدنيا طريداً مشردا .
هيهات ! .
واحدةٌ بواحد ! .
ولم يصله بشيء . ومن شعره : من الطويل .
أذا أبصرتك العين من بعد غايةٍ ... فأدخلت شكاً فيك أثبتك القلب