كتاب البشرى بالنيل لنائب السلطنة بحلب المحروسة . وسره بكل مبهجةٍ وهنأه بكل مقدمة سرور تغدو للخصب والبركة منتجة وبكل نعمى لا تصبح لمنة السحائب محوجة وبكل رحمى لا تستبعد لأيامها الباردة ولا للياليها المثلجة . هذه المكاتبة تفهمه أن نعم الله وإن كانت متعددة ومنحه وإن غدت بالبركات متوددة ومننه وإن أصبحت إلى القلوب متوددة فإن أشملها وأكملها وأجملها وأفضلها وأجزلها وأنهلها وأتمها وأعمها وأضمها وألمها نعمةً أجزلت المنّ والمنح وأزلت في أبرك سفح المقطم أغزر سفح وأتت بما أعجب الزراع ويعجل الهراع ويعجز البرق اللماع ويغل القطاع ويغل الإقطاع وتنبعث أمواهه وأفواجه وتمد خطاها أمواهه وأمواجه ويسبق وفد الريح من حيث ينبري ويغبط مريخه الأحمر القمر لأنه بيته السرطان كما يغبط الحوت لأنه بين المشتري ويأتي عجبه في الغد بأكثر من اليوم وفي اليوم بأكثر من الأمس . وتركتُ الطريق مجداً كان ظهر بوجهه حمرة فهي ما يعرض للمسافر من حر الشمس ولم تكن شقته طويلة لما قيست بالذراع ولو لا أن مقياسه أشرف البقاع لما اعتبر ما تأخر ممل ما حوله الماضي بقاع بينا يكون في الباب إذا هو في الطاق وبينا يكون في الاحتراق إذا هو في الاختراق للإغراق وبينا يكون في المجاري إذا هو في السواري وبينا يكون في الحباب إذ هو في الجبال وبينا يقال لزيادته هذه الأمواه إذا يقال لغلاتها هذه الأموال وبينا يكون ماءً إذ أصبح خيراً وبينا يكسب تجارة قد أكسب تجربةً وبينا يفيد غزاة قد أفاد عزاء . جسور على الجسور جيشه الكرار ولو أمست التراع منه تراع والبحار منه تحار . كم حسنت مقاطعاته على مر الجديدين وكم أعانت ميزاب على مقياسه على الغزو من بلاد سيس على العمودين أتم الله لطفه في الإتيان به على التدرج وإجرائه بالرحمة التي تقضي للعيون بالتفرج وللقلوب بالتفريج فأقبل جيشه بمواكبه وجاء يطاعن الجدب بالصواري من مراكبه وتصافف لحاجة الجسور في بيد الحجة ويثاقف القحط بالتراس من بركه والسيوف من خلجه . ولما تكامل إيابه وضح في ديوان الفلاح والفلاحة حسابه وأظهر ما عنده من خسائر التيسير وودائعه ولقط عموده جمل ذلك على أصابعه . وكانت الستة عشر ذراعاً تسمى ماء السلطان . نزلنا وحصرنا مجلس الوفاء المعقود واستوفينا شكر الله تعالى بفيض ماهو من زيادته محسوب ومن صدقاتنا مخرج ومن القحط مردود ووقع تياره بين أيدينا سطوراً تفوق وعلمت يدنا الشريفة بالخلوق وحمدنا السير كما حمدنا السرى وصرفناه في القرى للقرى ولم نحضره في العام الماضي فعلمنا له من الشكر شكراناً وعمل هو ما جرى وحضرنا الخليج إذا به أمم قد تلقونا بالدعاء المجاب وقرظونا فأمرنا ماءه أن يحثو من سده - كما ورد - في وجوه المادحين التراب . ومر يبدي المسار ويعيدها ويزور منازل القاهرة ويعودها وإذا سئل عن أرض الطبالة قال : جُننا بليلى وعن خلجها : " وهي جنت بغيرنا " وعن بركة الفيل قال : " وأخرى بنا مجنونة لا نريدها " ! .
وما برح حتى تعوض عن القيعان البقيعة من المراكب بالسرر المرفوعة ومن الأراضي المحروثة من جوانب الأدؤر بالزرابي المبثوثة وانقضى اليوم هذا عن سرورٍ لمثله فليحمد الحامدون وأصبحت مصر جنةً فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين وأهلها في ظل الأمن خالدون فيأخذ حظه من هذه البشرى التي ما كتبنا بها حتى كتبت بها الرياح إلى نهر المجرة إلى البحر والمحيط ونطقت بها رحمة الله تعالى إلى مجاوري بيت الله تعالى من لابسي التقوى ونازعي المخيط وبشرت بها مطايا المسير الذي يسير من قوص غير منقوص ويتشارك في الابتهاج بها العالم فلا مصر دون مصر بها مخصوص . والله تعالى يجعل الأولياء في دولتنا يبتهجون لكل أمر جليل وجيران الفرات يفرحون بجيران النيل