عبد الله بن عبد الظاهر بن نشوان بن عبد الظاهر بن نجدة الجذامي المصري المولى القاضي محيي الدين ابن القاضي رشيد الدين الكاتب الناظم الناثر شيخ أهل الترسل ومن سلك الطريق الفاضلية في إنشائه . وهو والد القاضي فتح الدين محمد صاحب ديوان الإنشاء . سمع من جعفر الهمداني وعبد الله ابن إسماعيل بن رمضان ويوسف بن المخيلي وجماعةٍ وكتب عنه . البرزالي وابن سيد الناس وأثير الدين والجماعة . وكان بارع الكتابة في قلم الرقاع ظريفاً ذا عربية حلوة وكان ذا مروءة وعصبية . ولد في المحرم سنة عشرين وتوفي بالقاهرة سنة اثنتين وتسعين وستمائة . ومن إنشائه كتابٌ كتبه إلى الأمير شمس الدين آقسنقر جواباً عن كتاب كتبه بفتح بلاد النوبة : " وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرةًٍ " . أدام الله نعمة المجلس ولا زالت عزائمه مرهوبةً وغنائمه مجلوبة ومحبوبة وسطاه وخطاه هذه تكف النوب وهذه تكفي النوبة . ولا برحت وطأته على الكفار مشتدة وآماله لإهلاك الأعداء كرماحه ممتدة . ولا عدمت الدولة بيض سيوفه التي يرى بها " الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة " . صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس تثني على عزائمه التي واتت على كل أمرٍ رشيد وأتت على كل جبارٍ عنيد وحكمت بعدل السيف في كل عبد سوء " وما ربك بظلامٍ للعبيد " حيث شكرت الضمر الجرد وحمدت العيس واشتبه يوم النصر بأمسه بقيام حروف العلة مقام بعض فأصبح غزو كنيسة سوس كغزو سيس . ونفهمه أنا علينا أن الله بفضله طهر البلاد من رجسها وأزاح العناد وحسم مادة معظمها الكافر وقد كاد وكاد وعجل عيد النحر بالأضحية بكل كبش حربٍ يبرك في سواد وينظر في سواد ويمشي في سواد . وتحققنا النصر الذي شفى النفوس وأزال البوس ومحا آية الليل بخير الشموس وخرب دنقلة يجريمة سوس وكيف لا يخرب شيء يكون فيه سوس ؟ ! .
فالحمد لله عن أن صبحتم عزائم المجلس بالويل وعلى أن أولج النهار من السيف منهم في الليل وعلى أن رد حرب حرابهم إلى نحورهم وجعل تدميرهم في تدبيرهم وبين خيط السيف الأبيض من الخيط الأسود من فجر فجورهم وأطلع على مغيبات النصر ذهن المجلس الحاضر وأورث سليمان الزمان المؤمن ملك داود الكافر وقرن النصر بعزم المجلس الأنهض وأهلك العدو الأسود بميمون طائر النصر الأبيض وكيف لا وآقسنقر هو الطائر الأبيض ! .
وقرأ لأهل الصعيد كل عين وجمع شملهم فلا يرون من عدوهم بعدها غراب بين ونصر ذوي السيوف على ذوي الحراب وسهل صيد ملكهم على يد المجلس وكيف يعسر على السنقر صيد الغراب . والشكر لله على إذلال ملكهم الذي لان وهان وأذاله ببأسه الذي صرح به شر كلٍّ منهم في قتلة فأمسى وهو عريان وإزهاقهم بالأسنة التي غدا طعتهم كفم غدا والزق ملآن ودق أقفيتهم بالسيف الذي أنطق الله بألفهم أعجم الطير فقال دق قفا السودان . ورعى الله جهاد المجلس الذي قوم هذا الحادث المنآد ولا عدم الإسلام في هذا الخطب سيفه الذي قام خطيباً وكيف لا وقد ألبسه منهم السواد وشكر له عزمه الذي استبشربه وجه الزمن بعد القطوب وتحققت بلاد الشمال به صلاح بلاد الجنوب وأصبحت به سهام الغنائم في كل جهةٍ تسهم ومتون الفتوحات تمطى فتارةً يمتطي السيف كل سيس وتارةً كل أدهم . وحمد شجاعته التي ما وقف لصدمتها السواد الأعظم . والله المنة على أن جعل ربع العدو بعزائم المجلس حصيداً " كأن لم تغن بالأمس " وأقام فروض الجهاد بسيوفه المسنونة وأنامله الخمس قون ثباته بتوصيل الطعن لنحور الأعداء ووقت النحر قيد رمحٍ من طلوع الشمس ونرجو من كرم الله إدراك داود المطلوب ورده على السيف بعيب هربه والعبد السوء إذا هرب يرد بعيب الهروب . والله يشكر تفضيل مكاتبه المجلس وجملها وآخر غزواته وأولها ونزال مرهفاته ونزلها ويجعله إذا انسلخ نهار سيفه من ليل هذا العدو يعود سالماً لمستقره " والشمس تجري لمستقر لها " . قلت : وفي هذه الغزاة قال ناصر الدين حسن ابن النقيب : من الكامل .
يا يوم دنقلةٍ وقتل عبيدها ... من كل ناحيةٍ وكل مكان .
كم فيك نوبيٌّ يقول لأمه ... نوحي فقد دقوا قفا السودان