عبد الله بن تاج الرئاسة الصاحب الوزير الكبير الرئيس أمين الدين أمين الملك وزير الديار المصرية والشامية . لما استسلم الجاشنكير الأمير مظفر الدين بيبرس النصارى اختبأ الصاحب أمين الدين هو والصاحب شمس الدين غبريال تقدير شهر ؛ فلما طال الأمر عليهما ظهرا وأسلما . وهو ابن أخت السديد الأعز المذكور في حرف السين المهملة . وكان خاله مستوفياً وبه تخرج وعليه تدرب ولما مات رتب مكانه ونال في الاستيفاء السعادة الواسعة والدنيا العريضة . وزر بعد ذلك ثلاث مرات وهو يتأسف على وظيفة الاستيفاء وتولي الوزارة بالديار المصرية ثم عزل وأقام قليلاً ثم وزر ثانياً ثم إنه عمل عليه وأخرج إلى طرابلس ناظراً بمعلوم الوزارة فأقام بها إلى أن حج منها في غالب الظن . واستعفى من الخدمة وأقام بالقدس وله راتبٌ يأكله في كل مرة ولم يزل مقيماً بالقدس إلى أن أمسك القاضي كريم الدين الكبير في سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة فطلب إلى مصر وتولى الوزارة بها إلى أن كثر الطلب عليه فدخل إلى السلطان الملك الناصر وقال له : يا خوند ! .
ما يمشي للوزير حالٌ إلا أن يكون من مماليك مولانا السلطان ! .
فاتفق هو وإياه على الأمير علاء الدين مغلطاي الجمالي ؛ فقال له السلطان : أخرج ونفذ أشغالك إلى آخر النهار وانزل إلى بيتك وأعلم الناس أن الوزير فلان ! .
فخرج ونفذ الأشغال وكتب على التواقيع وأطلق ورتب إلى آخر النهار ونزل إلى بيته بالمشاعل والفوانيس والمستوفين والنظار ومشد الدواوين والمقدمين ولما نزل عن بغلته قال : يا جماعة ! .
مساكم الله بالخير وزيركم غداً الأمير علاء الدين مغلطاي الجمالي ! .
فكان ذلك عزلاً لم يعزله وزيرٌ غيره في الدولة التركية ! .
ثم إنه لازم بيته يأكل مرتبه إلى أن عمل الاستيمار في أيام الجمالي ووفر فيه جماعة ؛ فطلب من السلطان أن يتصدق عليه بوظيفةٍ فقال السلطان : يكون ناظراً للدولة كبيراً مع الوزير مغلطاي فباشر النظر هو والقاضي مجد الدين بن لفيتة أربعين يوماً فكان حمله ثقيلاً عليه فاجتمع الجماعة من الكتاب عليه وقاموا كتفاً واحدةً فلما كان يوماً وقد خرج من باب الوزير العصر خرج خادمٌ صغيرٌ من القصر وجاء إليه أغلق دواته وقال : بسم الله يا مولانا إلزم بيتك ! .
فلزم بيته وذلك في سنة ثمان وعشرين وسبعمائة . ولما أمسك الصاحب شمس الدين غبريال وطلب إلى مصر رسم له السلطان بنظر النظار مكانه بدمشق فخرج إلى دمشق في شهر صفر سنة ثلاثٍ وثلاثين وسبعمائة فأقام بها بعمل الوزارة إلى أن أمسك السلطان النشو في سنة أربعين وسبعمائة فطلب الصاحب أمين الدين إلى مصر ليوليه الوزارة بمصر فكان الكتاب عملوا عليه إلى أن انثنى عزمه عنه فأقام في بيته قليلاً ثم أمسك وصودر هو وولده القاضي تاج الدين أحمد ناظر الدولة بمصر وأخوه القاضي كريم الدين مستوفي الصحبة وبسط عليه العقاب إلى أن توفي C تعالى في تلك الحال سنة أربعين وسبعمائة . وتغيب إذ ذاك ولده شمس الدين أبو المنصور ولم يظهر له خبرٌ أبداً . وكان الصاحب أمين الدين يأخذ نفسه برياسةٍ كبيرة وحشمة . وكان ساكناً عاقلاً وقوراً قد أسن وكبر ولا يدخل عليه أحدٌ إلا قام له وتكلف ذلك ويحكي عقيب ذلك أن خاله كان إذا جاء إلى قومٍس يقول : بالله لا تقوموا لي فإن هذا دينٌ يشق علي وفاؤه ! .
وأحبه الأمير سيف الدين تنكز أخيراً محبةً كبيرةً وكان يثني على آدابه وحشمته . ولما عمل النظر مع الجمالي كنت بالديار المصرية فطلبني وقال : أشتهي أن تكتب عني المكاتبات ورتب لي شيئاً عليه وكنت أبيت عنده وأصبح وأنا في جامكيته وجرايته وقماشه فيعاملني بآداب كثيرة وحشمةٍ زائدة C . وكتب - وهو بالقدس مقيماً - ربعةً مليحةً بخطه ؛ ولم أر أعجل كتابةً ولا أصفى ؛ يكتب وهو متكئٌ على المدورة بغير كلفة وإذا وضع القلم على الورقة لا ينقله حتى يفرغ منها ويرمي الورقة وفيها سطورٌ تبهر العقل . وكان إذا حضر أحدٌ وهو في دسته وقال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ؛ رمى الورقة من يده والقلم وأنصت وسمع القرآن إلى أن يفرغ وإذا أنشد أحدٌ قصيدةً مديحاً في النبي صلّى اللهُ عليهِ وسلّم كتبها بخطه في تعليقه المختص بذلك أو قال لي : أكتب لي هذا ! .
ولما رسم له بوازرة الشام كتبت تقليده بذلك في صفر سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة عن السلطان الملك الناصر محمد بن