وصد عني فلم يسأل لجفوته ... عن هائمٍ دمعه من بعده هام .
يا ليت شعري ألم يبلغه أن له ... أخاً بمصر حليف الضعف مذ عام .
ما كان ظني هذا في مودته ... ولا الحديث كذا في ساكني الشام .
فأجابه الشيخ تقي الدين C تعالى عن ذلك : من البسيط .
يا ساكني مصر فيكم ساكن الشام ... يكابد الشوق من عامٍ إلى عام .
الله في رمق أودى السقام به ... كم ذا يعلل فيكم نضو أسقام .
ما ظنكم ببعيد الدار منفردٍ ... حليف هم وأحزانٍ وآلام .
يا نازحين متى تدنو النوى بكم ... حالت لبعدكم حالي وأيامي .
كم أسأل الطرف عن طيفٍ يعاوده ... وما لجفني من عهدٍ بأحلام .
أستودع الله قلباً في رحالكم ... عهدته منذ أزمانٍ وأعوام .
وما قضى بكم في حبكم أرباً ... ولو قضى فهو من وجدٍ بكم ظام .
من ذا يلوم أخا وجدٍ بحبكم ... فأبعد الله عذالي ولوامي .
في ذمة الله قومٌ ما ذكرتهم ... إلا ونم بوجدي مدمعي الدامي .
قومٌ أذاب فؤادي فرط حبهم ... وقد ألم بقلبي أي إلمام .
ولا اتخذت سواهم منهم بدلاً ... ولا نقضت لعهدي عقد إبرام .
ولا عرفت سوى حبي لهم أبداً ... حباً يعبر عنه جفني الهامي .
يا أوحداً أعربت عنه فضائله ... وسار في الكون سير الكواكب السامي .
في نعت فضلك حار الفكر من دهشٍ ... وكل ظامٍ سقي من بحرك الطامي .
لا يرتقي نحوك الساري على فلكٍ ... فكيف من رام أن يسعى بأقدام .
منك استفاد بنو الآداب ما نظموا ... وعنك ما حفظوا من رقم أقلام .
إن الشهاب الذي سامى السماك علىً ... وفضل فضلك فينا فيض إلهام .
لما رأيت كتاباً أنت كاتبه ... وأضرم الشوق عندي أي إضرام .
أنشدت قلبي هذا منتهى أربي ... أعاد عهد حياتي بعد إعدامي .
يا ناظري خذا من خده قبلاً ... فهو الجدير بتقبيلٍ وإكرام .
ثم اسرحا في رياضٍ من حدائقه ... وقد زها زهرها الزاهي بأكمام .
من ذا يوفيه في رد الجواب له ... عذراً إليه ولو كنت ابن بسام .
فكم جنحت ولي طرفٌ يخالسه ... وأنثني خجلاً من بعد إحجام .
يا ساكناً بفؤادي وهو منزله ... محل شخصك في سري وأوهامي .
حقاً أراك بلا شك مشاهدةً ... ما حال دونك إنجادي وإتهامي .
ولذ عتبك لي يا منتهى أربي ... وفي العتاب حياةٌ بين أقوام .
حوشيت من عرضٍ يشكي ومن ألم ... لكن عبدك أضحى حلف آلام .
ولو شكا سمحت منه شكايته ... إن الثمانين تستبطي يد الرام .
وحيد دارٍ فريدٌ في الأنام له ... جيرانُ عهدٍ قديمٍ بين آكام .
طالت بهم شقة الأسفار ويحهم ... أغفوا وما نطقوا من تحت أرجام .
أبلى محاسنهم مر الجديد بهم ... وأبعد العهد منهم بعد أيام .
فلا عداهم من الرحمان رحمته ... فهي الرجاء الذي قدمت قدامي .
وكم رجوت إلهي وهو أرحم لي ... وقل عند رجائي قبح آثامي .
فطال عمرك يا مولاي في دعةٍ ... ودام سعدك في عز وإنعام .
ولا خلت مصر يوماً من سناك بها ... ولا نأى نورك الضاحي عن الشام .
قلت : وأنشدني العلامة شيخنا أثير الدين أبو حيان إجازة قال : أنشدنا الشيخ تقي الدين ابن تمام لنفسه : من الطويل .
وقالوا تقول الشعر قلت أجيده ... وأنظمه كالدر راقت عقوده .
وأبتدع المعنى البديع بصنعةٍ ... يحلى بها عطف الكلام وجيده